مقال

الدكروري يكتب عن الإمام شمس الدين الذهبي ” جزء 7″

الدكروري يكتب عن الإمام شمس الدين الذهبي ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع الإمام شمس الدين الذهبي، ومن أشهر تلاميذه صلاح الدين الصفدي، الحافظ ابن كثير، تاج الدين السبكي، والحافظ شمس الدين الحسيني، وتقي الدين بن رافع السلامي، وأبو الطيب المكي الحسني الفاسي وقد اتصل الذهبي اتصالا وثيقا بثلاثة من شيوخ ذلك العصر وهم جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي الشافعي، وتقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية الحراني، وعلم الدين القاسم بن محمد البرزالي، وترافق معهم طيلة حياتهم، ومع أن الذهبي قد عاش في عصر غلب عليه الجمود والنقل والتخليص، فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته، ولعل مما يميز الذهبي عن غيره من بعض مؤلفي كتب الرجال والتراجم مثلا أنه لم يقتصر في تأليفه على عصر معين، أو فئة معينة، أو تنظيم معين.

 

بل تناولت مؤلفاته رجال الإسلام من أول ظهوره حتى عصره، بله المعاصرين له، ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي إلى القول إنه كان شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها، وقد ترك الإمام الذهبي إنتاجا غزيرا من المؤلفات بلغ أكثر من مائتي كتاب، شملت كثيرا من ميادين الثقافة الإسلامية، فتناولت القراءات والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله والعقائد والرقائق، غير أن معظم مؤلفاته في علوم التاريخ وفروعه، ما بين مطول ومختصر ومعاجم وسير، ولقد أثنى عليه العلماء ثناء كثيرا، وشهدوا بذلك على فضله وإمامته لا سيما في علم الحديث والتاريخ والرجال، يقول تاج الدين السبكي شيخنا وأستاذنا الإمام الحافظ مُحدث العصر.

 

وقد اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ بينهم عموم وخصوص، المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الإمام الوالد تقي الدين السبكي ل خامس لهؤلاء في عصرهم، وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إِذا نزلت المعضلة، إمام الجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا،وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل، وقال ابن شاكر الكتبي عنه هو حافظ لا يجارى، ولافظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأبان الإبهام في تواريخهم والإلباس، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف، وقال السيوطي عنه هو الإمام الحافظ محدث العصر وخاتمة الحفاظ ومؤرخ الأعلام وفرد الدهر والقائم بأعباء هذه الصناعة، طلب الحديث وله ثماني عشرة سنة.

 

فسمع الكثير ورحل وعين بهذا الشأن وتعب فيه وخدمه إلى أن رسخت فيه قدمه، وتلا بالسبع وأذعن له الناس، والذي أقوله إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة المزي والذهبي والعراقي وابن حجر، وقال الشوكاني عنه وجميع مصنفاته مقبوله مرغوب فيها رحل الناس لأجلها وأخذوها عنه وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته وطارت في جميع بقاع الأرض، وله فيها تعبيرات رائقة وألفاظ رشيقة غالبا، لم يسلك مسلكه فبها أهل عصره ولا من قبلهم ولا من بعدهم وبالجمله فالناس في التاريخ من أهل عصرة فمن بعدهم عيال عليه، ولم يجمع احد في هذا الفن كجمعه ولا حرره، كتحريره، وفي النهاية توفي الإمام الذهبي بتربة أم الصالح ليلة الاثنين الثالث من شهر ذي القعدة قبل نصف الليل سنة سبعمائة وثماني واربعين من الهجرة.

 

ودفن بمقابر باب الصغير، وحضر الصلاة عليه جملة من العلماء كان من بينهم تاج الدين السبكي، وقد رثاه كثير من تلامذته منهم الصلاح الصفدي والتاج السبكي، ولم تعرف المكتبة العربية مؤرخا غزير الإنتاج، متنوع التأليف مثل الإمام الذهبي، وقد بلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائة وخمسين كتابا، أشهرها سير أعلام النبلاء، بعضها يتجاوز المجلدات ذوات العدد، ولا تقتصر هذه المؤلفات على عصر معين أو فئة محددة أو تنظيم واحد، بل تتجاوز ذلك كله لتشمل جميع عصور الإسلام، ويجمع الذهبي بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا، فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالا، المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال، فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها.

 

والذهبي من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوي وعلومه، وظهر ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى