مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 3″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام إبن مجاهد، فرجع الرجل إلى ابن كثير فقال له يا هذا ما الذي دفعت إلي ؟ دنانير أم دراهم ؟ فقال له أرني الصرة، فدفعتها إليه ففتحها فإذا فيها رقعة مكتوب فيها من وصلت إليه هذه الصرة فله في كل حول مثلها، فقال يا هذا خذ هذه واحتفظ بهذه الرقعة ولك في كل سنة مثلها، قال فأخذت الصرة والرقعة ورجعت إلى منزلي، وكان سبب عيالي بركة الشيخ ابن مجاهد، وهكذا نشأ الامام بن مجاهد وأقبل على حفظ القرآن وطلب العلوم اللغوية والشرعية منذ صغره، كما أقبل على أساتذة النحو الكوفيين يأخذ ما عندهم، وأكب على دراسة الحديث النبوي ومعرفة الآثار، وأكب إكبابا منقطع النظير على قراءات القرآن وتفسيره ومعانيه وإعرابه وروايات حروفه وطرقها، تساعده في ذلك حافظة واعية لا يرتسم فيها شيء إلا يثبت وكأنما يحفر فيها حفرا.

 

كما يساعده ذكاء نافذ ومعرفة واعية بالقراء والرواة على مر الأزمنة من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمنه، وقد مضى الإمام بن مجاهد يختلف إلى شيوخ القراءات في عصره حتى أخذها جميعا عنهم بجميع هيئاتها، وكأنما تحولت حافظته سجلا ضخما لجميع القراءات بطرقها ورواياتها الكثيرة، ومن أهم شيوخه هو عبد الرحمن بن عبدوس، الثقة الضابط المحرر تلميذ أبي عمرو الدوري، إذ يقال إنه قرأ عليه قراءة نافع من أول القرآن إلى خاتمته نحوا من عشرين مرة، ويقول في كتاب السبعة في القراءات في مستهل حديثه عن أسانيده لقراءة حمزة والكسائي وأبي عمرو إنه قرأ بقراءاتهم على ابن عبدوس غير مرة، ويذكر في مستهل حديثه عن ابن كثير وأسانيده لقراءته أنه قرأ بها على “قنبل” شيخ القراء بمكة سنة مائتان وثماني وسبعين للهجرة.

 

مما يدل على أنه رحل لسماع القراءات إلى أمصارها في مكة والمدينة والكوفة والبصرة ودمشق، ويؤكد ذلك أنه كثيرا ما يذكر عن قراءة أنها هكذا في مصاحف تلك البلدان، مما يدل على رؤيته لها في مواطنها، ولم يقرأ قراءة نافع على ابن عبدوس فحسب، فقد ذكر في أسانيده لها في كتاب السبعة أنه أخبر بها -من طريق قالون، ثاني اثنين أشاعا قراءته، إسماعيل بن اسحاق، والأشناني الحسن بن علي بن مالك عن أحمد بن صالح المصري، والحسن بن أبي مهران عن الحلواني، والحسن أيضا عن أحمد بن قالون، والطريق الثاني المقابل لقالون هو ورش، ويقول إنه أخذ قراءته عن نافع من الأشناني عن أحمد بن صالح، ولا يكتفي بهاتين الروايتين، بل يضم إليهما روايات أخرى عن بعض تلاميذ نافع، وفي مقدمتهم إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، ويذكر لروايته سندين.

 

وإسحاق المسيبي ويذكر لرواية ثلاثة أسانيد، والأصمعي ويعقوب بن جعفر بن أبي كثير، وأبو الحارث، وإسماعيل بن أبي أويس، وأخوه أبو بكر ويذكر لروايته سندين، ومثله خارجة ثم الزبير بن عامر وأبو قرة موسى بن مالك، والواقدي، ويقول إنه رجع إلى كتاب تلميذه محمد بن سعد في روايته، ويذكر بجانب ذلك من رووا عن نافع حروفا يسيرة مثل سقلاب وأبي الربيع الزهراني والليث بن سعد فقيه مصر، وكان طبيعيا أن يكون له جاه عند أولي الأمر، غير أنه لم يستغل هذا الجاه لنفسه، فقد كان متقشفا زاهدا، وكان لا يغضب ويسخط إلا في رضا الله، من ذلك موقفه من الحلاج الصوفي حين قال عن نفسه إنه الحق، مما يفضي إلى نظرية الحلول عند غلاة المتصوفة، فإنه حمل عليه حملات أدّت إلى حبسه ومحاكمة قضاة المذاهب الأربعة له المحاكمة المعروفة.

 

وبعد أن استخلص ابن مجاهد للأمة سبع قراءات ألف فيما وراءها من قراءات صحيحة كتابه في القراءات الشاذة وسماه “كتاب القراءات الكبير ” بجانب كتاب “السبعة” أو كتاب “القراءات الصغير” وأفرد لكل إمام من الأئمة السبعة كتابا مستقلا، ويضاف إليه أيضا كتاب عن قراءة علي بن أبي طالب، وكتابا في الياءات وآخر في الهاءات، وقد ولد ابن مجاهد بسوق القطن في بغداد عام مائتان وخمسة وأربعون للهجرة، وظهر نبوغه مبكرا حيث حفظ القرآن الكريم، وأكثر القراءة على الشيوخ حتى عدّ له ابن الجزري نحوا من مائة شيخ قرأ عليهم ختما كاملة للقرآن الكريم وأجازوه بإقرائها للناس، وقرأ على بعض شيوخه عشرين ختمة، واجتمع عليه الطلاب من الأقطار، وصار يقرئ بالقراءات التي يثبت له تواترها، وكان ابن مجاهد في الحقيقة إماما مقصودا في القراءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى