مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 8″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثامن مع الإمام إبن مجاهد، في حين قرأها الباقون من القراء السبعة بحذف الألف فتكون “مَلك” يوم الدين، وقرأ قنبل “الصراط، وصراط” بالسين، وقرأ خلف عن حمزة بالصاد المشمّة صوت الزاي، وقرأ خلاد بإشمام الصاد في “اهدنا الصراط المستقيم” وقرأ الباقون بالصاد الخالصة مثلما يقرؤها كثير من الناس، وقرأ حمزة “عليهم” في قوله “أنعمت عليهم” بضم الهاء، وقرأها الباقون بكسرها، وإن الأحرف السبعة والقراءات السبع يخلط كثير من الناس بينهما فيظن أنهما شيء واحد بسبب التوافق العددي، ولكن المعروف عند أهل العلم أن القراءات مذاهب أئمة القراءة لم يجتهدوا فيها ولكن رووها بالتلقي المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنشؤها اختلاف في اللهجات وكيفية النطق وطرق الأداء من تفخيم وترقيق وإمالة وإدغام وإظهار.

 

ومد وقصر، وجميعها في حرف واحد هو حرف قريش، أحد الحروف السبعة، أما الأحرف السبعة فهي بخلاف ذلك، كما وضحنا من أنها سبع لغات من لغات العرب، نزل القرآن بها، تيسيرا على القبائل العربية في قراءة القرآن ثم انتهى أمرها بأن حمل عثمان بن عفان الناس على مصحف واحد كتب بحرف قريش، وأبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرئ، وهو أحد الأئمة في هذا الشأن، وحدث عن خلق كثير، وروى عنه الدراقطني وغيره، وكان ثقة مأمونا، سكن الجانب الشرقي من بغداد وكان ثعلب يقول ما بقي في عصرنا أحد أعلم بكتاب الله منه، وكانت وفاته يوم الأربعاء، وأخرج يوم الخميس لعشر بقين من شهر شعبان، وقد رآه بعضهم في المنام وهو يقرأ، فقال له أما مت ؟ فقال بلى، ولكن كنت أدعو الله عقب كل ختمة أن أكون ممن يقرأ في قبره.

 

فأنا ممن يقرأ في قبره” رحمه الله، وحول السرد التاريخي لانتشار القراءات في الأمصار وانحسارها منها إلى عصر الإمام ابن مجاهد الملقب بمُسبّع السبعة والذي ألف كتابه وكانت القراءات السبع يقرأ بها في الأمصار، ولكن كان الغالب على أهل المدينة قراءة نافع، وعلى أهل مكة قراءة ابن كثير، وعلى أهل الشام قراءة ابن عامر وعلى أهل البصرة قراءة أبي عمرو ويعقوب، وعلى أهل الكوفة قراءة عاصم وحمزة، قال مكي بن أبي طالب، وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب ، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم ، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، واستمروا على ذلك فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب، وسبب عدم إيراد ابن مجاهد لقراءة يعقوب.

 

في كتابه رغم أنها كانت القراءة الأغلب على أهل البصرة في زمنه أنه لم يكن لديه إسناد بها، فأورد بدلها قراءة الكسائي الكوفي رغم إيراده قارئين كوفيين هما عاصم وحمزة ورغم أنها كانت أقل شهرة في الكوفة منهما لتوفر إسنادها لديه، وفي عصر ابن مجاهد قلّ انتشار رواية حفص عن عاصم بالكوفة وكانت رواية شعبة عن عاصم هي أشهر رواية عن عاصم بالكوفة، بينما كانت قراءة حمزة أكثر شهرة من قراءة عاصم بالكوفة كما يشهد لذلك قول ابن مجاهد وإلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة وليست بالغالبة عليهم، لأن أضبط من أخذ عن عاصم أبو بكر بن عياش فيما يقال لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا، وكان أهل الكوفة لا يأتمّون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش، وكان أبو بكر لا يكاد يُمكن من نفسه من أرادها منه.

 

فقلت بالكوفة من أجل ذلك، وعزّ من يحسنها، وصار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات، في القرن الخامس الهجري كانت قراءة يعقوب هي الغالبة على أهل البصرة كما يستفاد ذلك من قول الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، قال أبو عمرو الداني ائتم بيعقوب في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو، وسمعت طاهر بن غلبون يقول إمام الجامع بالبصرة لايقرأ إلا بقراءة يعقوب، وأما أهل الشام فاستمروا يقرؤون بقراءة ابن عامر إلى نهاية القرن الخامس حتى قدم عليهم أحد أئمة القراء وهو ابن طاووس فأخذ يعلم رواية الدوري عن أبي عمرو ويقرئ بها أهل الشام فأخذت في الانتشار التدريجي بالشام حتى حلت محل قراءة ابن عامر، كما يستفاد هذا من قول ابن الجزري ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى