مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 9″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع الإمام إبن مجاهد، وتلقينا إلى قريب الخمسمائة وأول من لقن لأبي عمرو فيما قيل ابن طاووس، وكان الإمام ورش شيخ الإقراء بالديار المصرية ورحل إلى نافع فقرأ عليه أربع ختمات ثم رجع إلى مصر وأخذ ينشر قراءة نافع وعنه انتشرت قراءة نافع في أرجاء المغرب العربي وكثير من البلاد الإفريقية، وهناك سبب آخر مهم لانتشار قراءة نافع في المغرب العربي وهي أنها قراءة إمامهم مالك بن أنس رحمه الله فكما أخذ المغاربة بفقه أهل المدينة أخذوا أيضا بقراءتهم، غير أن أهل المغرب الأدنى وهم ليبيا وتونس، وما حاذاها من البلاد الإفريقية كتشاد انتشرت فيهم رواية قالون عن نافع لسهولتها وخلوها من المدود الطويلة والإمالات التي في رواية ورش، وأيضا رواية الدوري عن أبي عمرو غلبت على أهل العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان.

 

وشرق إفريقيا إلى القرن العاشر الهجري، ويستفاد هذا من النقل التالي عن الإمام ابن الجزري قال، قال ابن مجاهد وحدثونا عن وهب بن جرير قال، قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا وقال أيضا حدثني محمد بن عيسى بن حيان حدثنا نصر بن علي قال، قال لي أبي قال شعبة انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا قال نصر قلت لأبي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو وقلت للأصمعي كيف تقرأ قال على قراءة أبي عمرو قال ابن الجزري وقد صح ما قاله شعبة رحمه الله فالقراءة عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو فلا تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه خاصة في الفرش وقد يخطئون في الأصول ولقد كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر إلى حدود الخمسمائة فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق.

 

وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة، في الوقت الذي انتشرت فيه رواية الدوري عن أبي عمرو في الأقطار المشار إليها في الفقرة السابقة وهي العراق والحجاز واليمن والشام ومصر والسودان وشرق إفريقيا، كانت رواية حفص عن عاصم بدأت تنتشر لدى الأتراك، وبدأت الدولة العثمانية تبسط سلطانها على معظم أرجاء العالم الإسلامي، فصارت ترسل أئمة وقضاة ومقرئين أتراك إلى أرجاء العالم العربي فانتشرت رواية حفص عن طريقهم وكذا عن طريق المصاحف التي تنسخها الدولة العثمانية برواية حفص، فأخذت رواية حفص عن عاصم تحل تدريجيا.

 

محل رواية الدوري عن أبي عمرو، فآل الأمر إلى انحسار انتشار رواية الدوري فلم تبق إلا في اليمن والسودان والقرن الإفريقي، وقد اطلعت على كتب تجويد لعلماء يمنيين مؤلفة في حدود سنة ألف وثلاثمائة وسبعون للهجرة، على وفق رواية الدوري وفيها أنها الرواية المقروء بها في حضرموت وأنحاء كثيرة من اليمن حتى ذلك الوقت ، ونظرا لضعف سلطان الدولة العثمانية على بلاد المغرب العربي ولشدة تمسك أهله بمذهب مالك فقد ظلت قراءة نافع هي السائدة به إلى اليوم، وذكر ابن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير” أن القراءات التي يُقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي قراءة نافع براوية قالون، في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي ليبيا، وبرواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائري.

 

وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان، وقراءة عاصم براوية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان، قال ابن عاشور وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يُقرأ بها في السودان المجاور لمصر، وفي الوقت الحاضر كما لا يخفى كان لوسائل الإعلام العصرية المرئية والمسموعة دور كبير في نشر رواية حفص في الأقطار التي لا زالت تقرأ برواية الدوري أو قالون أو ورش، وكذلك لانتشار المصاحف المطبوعة برواية حفص في تلك الأقطار، حتى كادت بقية الروايات عدا رواية حفص تنقرض، والأمر لله تعالى من قبل ومن بعد، وله في تقاديره الحكمة البالغة، غير أنه بحمد الله بدأت في السنوات الأخيرة بوادر صحوة علمية عظيمة تجاه القراءات القرآنية في العديد من الأقطار الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى