مقال

الدكرورى يكتب عن أهل الأعراف ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن أهل الأعراف ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكـــرورى

تخيل انك في يوم القيامة والخلائق موقوفون للحساب وقد حان وقت الفصل بينهم، وبينما أهل الجنة ذاهبون اليها متشوقون وأهل النار اليها يساقون وجدت نفسك في مكان ربما لم تتخيل نفسك فيه، أو ربما لم يخطر لك ببال أبدا، أتعرف أين أنت الآن؟ انك واقف على الأعراف، لقد تساوت حسناتك وسيئاتك وبقيت في هذا المكان حتى يفصل الله عز وجل في أمرك، والأعراف جمع عرف، وهو في اللغة هو المكان المرتفع، وهو سور مضروب بين الجنة والنار يحول بين أهلها وروى ابن جرير عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعدت بهم سيئاتهم عن دخول الجنة، وتخلفت بهم حسناتهم عن دخول النار، فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم، وهذا المشهد سوف يشهده العالم يوم البعث والجزاء.

على الحقيقة دون تمثيل ولا تخييل، تبين ما يكون فيه من شماتة أهل الحق وهم أصحاب الجنة وموقف أصحاب النار، وينطلق صوت علوي مسجلا عليهم اللعنة، وهي الطرد والحرمان من رحمة الله عز وجل، وقد ضرب بين الفريقين بحجاب، ووقف عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم، يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه ونظرتها، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وقترتها، والأعراف مواضع مرتفعة على الصراط سبع قناطر وهي جسور بعضها أصعب من بعض ، وبعضها أشد سؤالا من بعض، وبعضها أكثر ارتفاعا من بعض، وعند كل جسر يسأل العبد عن عبادته التي افترضها الله تعالي عليه في الدنيا فأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة ثم حفظ اللسان ثم حفظ الجار ثم صلة الرحم ثم جميع ما أمر الله به وجميع ما نهى عنه.

إذن كل من جاء إلى جسر الصراط سئل عن عبادته فإن كانت حسنة ترضي الله عز وجل مضى وصار إلى الجنة ونوره الإيمان يسعى بين يديه وعن شماله، يزيد بطاعة الله وينقص بمعصية الله، فكل من نقص ثوابه بالمعصية نقص نوره على الصراط، ومن أراد مولاه أن يعذبه أتم له النور في بعض جسور الصراط، وأطفأ النور عنه في البعض الآخر، والصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم لو أن قطرة من ظلمة الصراط وضعت في الدنيا لأظلم مشرق الدنيا ومغربها ولمات الخلق من شدة الظلمة، وتأتي الخلائق إلى الصراط المؤمنون والكافرون، والصراط أحد من السيف وأرق من الشعرة وأحر من الجمر، ومع دقته ورقته يضطرب كما تضطرب السفينة بأهلها إذا كانت الرياح عاصفة، فأما المؤمنون فيمضون وأنوارهم تسعى بين أيديهم وبأيمانهم.

وأما الكافرون فيهوون ويسقطون في النار وبئس القرار، وتبقى فرقة ثالثة لا هم يسقطون في النار ولا هم يدخلون الجنة، وإنما حبس الله تعالى هؤلاء القوم على أعراف الصراط ليبين لأهل الجنة والملائكة والجن والإنس ولجميع ما خلق الله تبارك وتعالى فضل نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلام، فيظهر جاهه وقدره وحرمته عند ربنا جل جلاله وهؤلاء هم أهل الأعراف الذين تحدث عنهم القرآن، وإذا صاروا على تلك المواضع من الصراط نقص نورهم وبقوا على أطراف أنامل أرجلهم ورأوا ظلمة، وذلك أن الخلق على الصراط على قدر أعمالهم في الدنيا، فمن الناس من يكون له من النور ما يضئ له مسيرة سنة وما يضئ مسيرة شهر وما يضئ مسيرة جمعة ومسيرة يوم ومسيرة ساعة، ومن الناس من يعطى من النور ما يضئ له موضع قدميه.

وعلى قدر منازلهم عند ربهم تبارك وتعالى وعلى قدر أعمالهم في الدنيا فيستبقون في الجواز على قدر أنوارهم التي معهم، فإذا ثبت هؤلاء القوم على أناملهم من أرجلهم لا يستطيعون الجواز وهم ينظرون إلى أهل النار كيف يعذبون في النار، وأهل الجنة في الجنة يتنعمون وفي الأرائك متكئون وبين الأنهار والأشجار يستمتعون، فينظرون إلى أهل النار وهم فيها يتقلبون ومن زقومها يأكلون ومن حميمها يشربون وفي سلاسلها وأغلالها مُوثقون وينادى الفقراء الذين كانوا في الدنيا فقراء، نادوا أهل الغنى في الدنيا يا فلان، كنت قبل ذلك رئيسا لي، كنت تاجرا وتمنعني الخير، كنت متوليا لتلك المناصب وقد منعتني حقي وظلمتني، كنت قريبا لي وتسلطت علي؟ هكذا يأتي النداء، ينادي أهل الجنة أهل النار، أن وجدنا النعيم، وجدنا الحضور، وجدنا الحور الحِسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى