مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن دقيق العيد ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن دقيق العيد ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن دقيق العيد، لكن ابن دقيق لم يكن من هؤلاء، فقد كان من الفقهاء النوادر الذين واجهوا السلطة المملوكية في أشد لحظاتها قوة وبطشا بثبات وثقة وقوة لافتة، وكان معاصرا للعلامة عز الدين بن عبد السلام الذي كان من جملة كبار العلماء الذين واجهوا السلطة الأيوبية في لحظات بطشها وظلمها في دمشق، ثم في القاهرة أيضا حين لجأ إليها، ولم يمنعه لجوؤه وكرم السلاطين والأمراء المماليك نحوه أن يوجّه سهام النقد إليهم حين دعت الحاجة إلى ذلك، انطلاقا من المسؤولية العلمية والأخلاقية التي كان يدركها تمام الإدراك، وقد كان الإمام إبن دقيق العيد ذا عزيمة عظيمة في التأليف، ومن أشهر مؤلفات الإمام إبن دقيق العيد هو كتاب الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام، الإلمام في الأحكام في عشرين مجلدا، وشرح لكتاب التبريزي في الفقه.

وفقه التبريزي في أصوله، كما شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه، ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح، وله تصانيف في أصول الدين، كما كان ابن دقيق العيد، بجانب امتيازه في التدريس والفقه والتأليف، خطيبا بارعا، وله ديوان شعر ونثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين عرفوا بالسجع والمحسنات البديعة، وأيضا الإلمام الجامع لأحاديث الأحكام، في عشرين مجلدا، وهو من أعظم ما صُنف في مجاله، وله أيضا شرح كتاب التبريزي في الفقه، وشرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه، والاقتراح في بيان الاصطلاح، واقتناص السوانح، وشرح مختصر ابن الحاجب، وديوان شعر، وشرح الأربعين النووية، والإمام شرح الإلمام، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، وقد تتلمذ عليه خلق كثير، على رأسهم قاضي القضاة شمس الدين ابن جميل التونسي.

وقاضي القضاة شمس الدين بن حيدرة، والعلامة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، وعلاء الدين القونوي، وشمس الدين بن عدلان، وفتح الدين اليعمري، شرف الدين الإخميمي وغيرهم الكثير، وقد درّس بالمدرسة الفاضلية، والمدرسة المجاورة لضريح الشافعي، والمدرسة الكاملية، والصالحية، ودرس بدار الحديث بقوص، بينما كان العالم الفقيه علي بن وهب المعروف بمجد الدين القشيري يأخذ طريقه لأداء فريضة الحج في يوم السبت الخامس والعشرين من شهر شعبان سنة ستمائة وخمس وعشرين من الهجرة، على ظهر إحدى السفن وبصحبته زوجته كريمة الشيخ الزاهد الورع مفرح الدماميني أحد كبار متعبدة الصعيد في القرن السابع الهجري، وذلك عن طريق البحر الأحمر الذي كانوا يسمونه في العصر الإسلامي ببحر القلزم، وما أن قاربت السفينة ساحل الينبع.

حتى حمل البشير إليه نبأ أدخل السرور والبشر على قلبه، وهو أن زوجته قد وضعت غلاما، فرفع العالم الفقيه مجد الدين القشيري يده إلى السماء شاكرا حامدا نعمة الله عليه سبحانه وتعالى على هذه المنة العظيمة، ولما قدم مكة حمل رضيعه المبارك بين يديه وطاف به البيت وهو يدعو الله سائلا أن يجعله عالما، وقد استجاب الله لدعائه، ووصل الفتى بجدّه وذكائه ومثابرته في الدرس وتحصيل العلوم إلى مرتبة قاضي قضاة المسلمين في العصر المملوكي، وقد نشأ ابن دقيق العيد في مدينة قوص التي كانت تشتهر في ذلك الوقت بمدارسها العديدة ونهضتها الثقافية الواسعة، تحت رعاية والده مجد الدين القشيري الذي تخرج على يديه الآلاف من أبناء الصعيد، كما يشير إلى ذلك الأدفوي في طالعه السعيد في تراجم متفرقة، وقد عاش شبابه تقيا نقيا ورعا طاهر الظاهر والباطن.

يتحرى الطهارة في كل أمر من أمور دينه ودنياه، فحفظ القرآن الكريم حفظا تاما، وتفقه على مذهب الإمام مالك على يد أبيه، ثم رجع وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على يد تلميذ أبيه البهاء القفطي، كما درس النحو وعلوم اللغة على يد الشيخ محمد أبي الفضل المرسي، وشمس الدين محمود الأصفهاني، ثم ارتحل إلى القاهرة التي كانت في ذلك الوقت مركز إشعاع فكري وثقافي يفوق كل وصف، تكتظ بالعلماء والفقهاء في كل علم وفن، فانتهز ابن دقيق العيد هذه النهضة العلمية الواسعة التي شهدتها القاهرة في ذلك الوقت، والتف حول العديد من العلماء، وأخذ على أيديهم في كل علم وفن في نهم بالغ، ولازم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام حتى وفاته، وأخذ على يديه الأصول وفقه الإمام الشافعي، وسمع الحافظ عبد العظيم المنذري، وعبد الرحمن البغدادي البقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى