مقال

لن يتركك الله ولو للحظة واحدة.

لن يتركك الله ولو للحظة واحدة.

بقلم د/ محمد بركات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين وبعد:

 

من وجد الله فماذا فقد ،ومن فقد الله فماذا وجد.

 

ومن كان الله معه كانت معه القوة والغلبة واليسر والنصر والهداية والتوفيق والأجر.

 

وتذكر أنه ( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ).

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

كنت في مكة في موسم الحج ، فرأيت رجلًا من خراسان ينادي ويقول :

( يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي ، فقدت كيساً فيه ألف دينار ، فمن رده إليَّ جزاه اللّه خيراً وأعتقه من النار وله الأجر والثواب يوم الحساب )

 

فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له :

يا خرساني ، بلدنا حالتها شديدة ، وأيام الحج معدودة ، ومواسمه محدودة ، وأبواب الكسب مسدودة ، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير ، يطمع في عهد عليك ، لو رد المال إليك ، تمنحه شيئًا يسيرًا ، ومالًا حلالًا ؟!

 

قال الخراساني : فما مقداره ؟ وكم يريد ؟

قال الشيخ الكبير : يريد العُشر، مائة دينار، عُشر الألف.

 

فلم يرضَ الخراساني

وقال: لا أفعل ، ولكنى أفوض أمره إلى اللّه ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل !!

 

قال ابن جرير الطبري رحمه الله :

فوقع في نفسي أن ذلك الشيخ الكبير رجل فقير ، وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير !

فتبعته حتى عاد إلى منزله ، فكان كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته ويقول : يا لبابة ؟

فقالت له : لبيك أبا غياث

قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئاً ، فقلت له : أعطنا منه مائة دينار ؟ فأبى ، وفوض أمره إلى اللّه !!

ماذا أفعل يا لبابة ؟

لا بد لي من رده ، إني أخاف ربي

 

فقالت له زوجته :

يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسون( 50 )سنة ، ولك أربع( 4 )بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ، خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعى ، واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ، أو يقضي اللّه دينك .

 

فقال لها : يا لبابة ، أآكل حراماً بعد ما بلغت من العمر الكبر ؟ وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقري ؟ وأستوجب غضب الجبار وأنا قريب من قبري ؟!

لا واللّه لا أفعل .

 

يقول ابن جرير الطبري رحمه الله :

فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته !!!!

 

فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادي كما بالأمس ..

 

فقام إليه ذلك الشيخ الكبير ، وقال : يا خراساني ، قد قلت لك بالأمس ونصحتك ، وبلدنا واللّه قليلة الزرع والضرع ، فجُد على من وجد المال بشيء حتى لا يخالف الشرع ، وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت

فإن وقع مالك في يد رجل يخاف اللّه عز وجل ، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا من مائة ، يكون لهم فها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة ؟!

فقال له الخراساني : لا أفعل ، وأحتسب مالي عند اللّه ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل !!!!!

 

ثم كان اليوم التالي فنادى صاحب الدنانير ذلك النداء بعينه

فقام إليه الشيخ الكبير فقال له :

يا خراساني، قلت لك أول أمس امنح من وجده 100 دينار فأبيت ، ثم 10 فأبيت ، فهلا منحت من وجده ديناراً واحداً يشتري بنصفه إربة يطلبها ، وبالنصف الأخر شاة يحلبها ، فيسقي الناس ويكتسب ويطعم أولاده ويحتسب ؟’

قال الخراساني : لا أفعل ، ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل !!!!

 

فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال.

 

يقول ابن جرير رحمه الله :

فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ منزله ، فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال: خذ مالك ، وأسأل اللّه أن يعفو عني ، ويرزقني من فضله.

 

فأخذها الخراساني وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ، قال :

يا شيخ ، مات أبي رحمه الله وترك لي ثلاثة آلاف دينار ، وقال لي :

أخرج ثُلثها ففرّقه على أحق الناس عندك ..

فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق

وواللّه ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى هاهُنا رجلًا أولى بها منك ، فخذه بارك اللّه لك فيه ، وجزاك خيراً على أمانتك وصبرك على فقرك !!

ثم ذهب وترك المال.

 

فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول :

( رحم اللّه صاحب المال في قبره وبارك اللّه في ولده )

 

يقول الله تعالى:

{ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ }

 

والله الذي لا إله إلا هو ..

لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت :

{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا }

 

العبرة هنا :

 

إن زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً لله وتبقى بلا شيء ، وتبقى في مؤخرة الركب

وهل يضيعك الله عزّ وجل ، وينساك لأنك أطعته ؟!

 

سوف تجد شيئاً يسعدك طوال حياتك

أي شيء تدعه في سبيل الله لا بد من أن يعوضك الله خيراً منه في دينك ودنياك

( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى