مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام إبن سيد الناس، ولما توفي الحافظ ابن سيد الناس قيلت فيه العديد من المراثي الفاخرة، وتحدث عن سيرته العلماء، وكان من أبرز من رثاه تلميذه الشيخ صلاح الدين الصفدي بمرثية مطولة، قال فيها ما بعد فقدك لي أنس أرجيه، ولا سرور من الدنيا أقضيه، إن مت بعدك من وجد ومن حزن، فحق فضلك عندي من يوفيه، ومن يعلم فيك الورق أن جهلت، نواحها أو تناسته فتمليه، أما لطافة أنفاس النسيم فقد، نسيتها غير لطف كنت تبديه، وإن ترشفت عذب الماء اذكرني، زلاله خلقا قد كنت تحويه، يا راحلا فوق أعناق الرجال وأجفان الملائك تحت العرش تبكيه، وذاهبا سار لا يلوي على أحد، والذكر ينشره واللحد يطويه، وماضيا غفر الله الكريم له، باللطف حاضره منه وباديه، وبات بالحور والرضوان مشتغلا، إذ أقبلت تتهادى في تلقيه.

 

حتى غدا في جنان الخلد مبتهجا، والقلب بالحزن يفنى في تلظيه، لهفي على ذلك الشخص الكريم وقد ، دعاه نحو البلى في الترب داعيه، وحيرتي فيه لا تقضي علي ولا تقضي لواعجها حتى أوافيه، جرى الأسى عبراتي كالعقيق وقد، اصم سمعي وأصمى القلب ناعيه، يا وحشة الدهر في عين الأنام فقد، خلت وجوه الليالي من معانيه، ووحشة الدهر أن تنثر ملاءته ، ولم تطرز حواشيها أمالية، يا حافظا ضاع نشر العلم منه إلى، أن كاد يعرفه من لا يسميه، صان الرواية بالإسناد فامتنعت، ثغورها حين حاطتها عواليه، واستضعفت بارقات الجو أنفسها، في فهم مشكلة عن أن تجاريه، حفظت سنة خير المرسلين فما أراك تمسي مضاعا عند باريه، لله سعيك من حبر تبحر في علم الحديث فما خابت مساعيه، وهل يخيب معاذ الله سعى فتى في سنة المصطفى أفنى لياليه.

 

يكفيه ما خطه في الصحف من مدح النبي يكفيه هذا القدر يكفيه، عز البخار يفيما قد أصيب به، مات الذي كان بين الناس يدريه، كأنه ما تحلى سمع حاضره، بلفظه عند ما يروى لآليه، رواية زانها منه بمعرفة، ما كل من قام بين الناس يرويه، يا رحمتاه لشرح الترمذي فمن يضم عربته فينا ويؤويه، لو كان أمهله داعي المنون إلى أن تنتهي في أماليه أمانيه لكان أهداه روضا كله زهر أنامل الفكر في معناه تجنيه، من للقريض فلم أعرف له أحدا، سواه رقت به فينا حواشيه، ما كان ذاك الذي تلقاه ينظمه، شعرا ولكنه سحر يعانيه، ومن يمر على القرطاس راحته، فينبت الزهر غضاً في نواحيه، ما كل من خط في طرس وسوده، بالحبر تغدو به بيضا لياليه، ولا تخل كل من في كفه قلم، إذا دعاه إلى معنى يلبيه، هيهات ما كان فتح الدين حين مضى، والله إلا فريدا في معاليه.

 

كم حاز فضلا يقول القائلون له لو حازك الليل لابيضت دياجيه، لا تسأل الناس سلني عن خلائقه لتأخذ الماء عني من مجاريه، ما ذا أقول وما للناس من صفة، محمودة قط إلا ركبت فيه، كالشمس كل الورى يدري محاسنها، والكاف زائدة لا كاف تشبيه، سقى الغمام ضريحا قد تضمنه صوبا إذا انهل لا ترقى غواديه، وباكرته تحيات نوافحها من الجنان تحييه فتحييه، وسمع ابن سيد الناس كذلك على قطب الدين القسطلاني، وشيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن توفي، وعلى عز الدين الحراني، عبد العزيز بن عبد المنعم، مسند الديار المصرية، ودرس ابن سيد الناس النحو على الشيخ الأمام العلامة الحجة بهاء الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم ابن النحاس، شيخ العربية بالديار المصرية، وأتقن أبوالفتح ابن سيد الناس كتابة الخط العربي على القاعدة المغربية والمشرقية.

 

وذلك دون أن يأخذه عن أحد، قال تلميذه الصفدي ولم أر فيمن عاصرته مَن كتب النسخ وخرّج التخاريج والحواشي أحلى ولا أظرف ولا آنق من الشيخ فتح الدين بن سيد الناس، وكان خطه أبهج من حدائق الأزهار، وآنق من صفحات الخدود المطرز وردها بآس العذار، سريع الكتابة، كتب ختمة في جمعة، وكان يكتب السيرة التي له في عشرين يوما وهي مجلدان كبيران، وكان ابن سيد الناس ماهرا في التجليد وترميم الكتب القديمة، قال عنه الصفدي ولم أري مثل الشيخ فتح الدين بن سيد الناس من يحكم ترقيق الأجزاء وترميمها، ولقد بلغ الحافظ ابن سيد الناس مكانة رفيعة لدى معاصريه وأقرانه من العلماء، وبالغ تلاميذه وأقرانه في الثناء عليه والإشادة بفضله وعلمه، فهذا تلميذه الإمام الذهبي يثني عليه فيقول ” كان صدوقا في الحديث حجة فيما ينقله، له بصر نافذ بالفن، وخبرة بالرجال وطبقاتهم، ومعرفة بالاختلاف “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى