ثقافةمقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن سيد الناس ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء السادس مع الإمام إبن سيد الناس، وممن أخذوا عنه وعُرفوا به الحافظ علاء الدين مُغلطاي، والذي حلّ محل شيخه في مشيخة دار الحديث الظاهرية، وممن أخذ كذلك عن ابن سيد الناس الأمير ناصر الدين محمد ابن الأمير بدر الدين جنكلي ابن البابا الحنبلي، والذي تخرج على يد الحافظ فتح الدين، وعنه أخذ معرفة الناس وأيامهم وطبقاتهم وأسماء الرجال، وكان أولا قد اشتغل بمذهب أبي حنيفة، ثم إنه تمذهب للإمام أحمد بن حنبل، وله بيتان لطيفان فيقول بك استجار الحنبلي، محمد بن جنكلي، فاغفر له ذنوبه، فأنت ذو التفضل، وكان لابن سيد الناس تصانيف عديدة مفيدة، من أهمها عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، وهو كتاب جامع لكل من سبقه في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد لقيه العلماء بالاستحسان وصار من الكتب المتداولة المعتمدة في السيرة.

وحيث ذكر فيه أسانيد الأخبار فإن الكتاب أصبح طويلا على من لا يهتم بالسند، ولذلك اختصره استكمالا للفائدة منه وسماه نور العيون في تلخيص سيرة الأمين المأمون، وعلق على المختصر من بعده سبط ابن العجمي برهان الدين، إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي، وسمى تعليقه نور النبراس في شرح سيرة ابن سيد الناس، وجاء من بعده شمس الدين محمد بن يونس الشافعي، فنظمه شعرا، ونظم عيون الأثر شعرا فتح الدين ابن الشهيد، محمد بن إبراهيم، نظمها في بضعة عشر ألف بيت، وسماها الفتح القريب في سيرة الحبيب، وكان لابن سيد الناس ديوان في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم أسماه بشرى اللبيب بذكر الحبيب، وله في الفقه الدر النثير على أجوبة الشيخ أبي الحسن الصغير، وصنف كتابا أسماه الفوح الشذى في شرح الترمذي.

شرح فيه دون الثلث من كتاب الترمذي إلى كتاب الصلاة، قال ابن حجر ولو اقتصر على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمل، لكن قصده ان يتبع شيخه ابن دقيق العيد، فوقف دون ما يريد، ثم كمّله الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي وله كتاب المقامات العلية في الكرامات الجلية، وكما جمع في قصيدة ميمية أسماء ما يقرب من مائتان ممن مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم من رجال الصحابة ونسائهم، ثم شرحها في كتاب أسماه منح المدح، ورتبهم فيه على حروف المعجم، وكان من معاصري ابن سيد الناس الأديب المؤرخ صلاح الدين الصفدي، خليل بن أيبك، صاحب التاريخ العظيم، الوافي بالوفيات، المولود بصفد سنة ستمائة وست وتسعون والمتوفى بها سنة سبعمائة وأربعة وستون للهجرة، والذي لازم ابن سيد الناس في المدرسة الظاهرية قرابة سنتين.

وأخذ عنه الأدب، واستفاد منه كثيرا في تراجم كتابه الوافي بالوفيات، وتبادل الأستاذ مع تلميذه مراسلات أدبية أوردها الصفدي في أكثر من خمسة عشر صفحة من كتابه ألحان السواجع، ولما ترجم له قال عنه كان حافظا بارعا متفننا في البلاغة، ناظما مترسلا، حسن النمط جدا، حسن المحاورة، لطيف العبارة، وذكر الصفدي أمرا كان يفعله ابن سيد الناس، قال وأقمت عنده بالظاهرية قريبا من سنتين، فكنت أراه يصلي كل صلاة مرات كثيرة، فسألته عن ذلك فقال خطر لي أن أصلي كل صلاة مرتين ففعلت، ثم ثلاثا ففعلت وسهل علي، ثم أربعا ففعلت، قال وأشك هل قال خمسا وعلق الشوكاني في البدر الطالع على هذه القصة تعليقا موفقا، قال وهذا وإن كان فيه الاستكثار من الصلاة التى هي خير موضوع وأجمل مرفوع، لكن الأَولى أن يتعود التنفل بعد الفرائض على غير صفة الفريضة.

فإن حديث النهي عن أن تصلي صلاة في يوم مرتين، ربما كان شاملا لمثل صورة هذه الصلاة، ولعله جعله خاصا بتكرير الفريضة بنية الافتراض، وطلب الصفدي في رسالة من ابن سيد الناس أن يجيزه، فكتب له الجواب بالإجازة، ونورد هنا جانبا منها لما ورد فيها من أدب وتواضع، ولإذنه له بالإصلاح والتغيير فكأنما ألزمتني أن أتجاوز حدي، لولا أن الإقرار بأن الرواية عن الإقران نهج مهيع، والاعتراف بأن للكبير من بحر الصغير الاغتراف وأن لم يكن مشرعه ذاك المشرع، فنعم قد أجزت لك ما رويته من أنواع العلوم على الشرط المعروف والعرف المعلوم، وما تضمنه الاستدعاء الرقيم، بخطك الكريم، من فنون الأدب التي باعك فيها من باعي أمدَّ، وسهمك في مراميها من سهمي أسد، وأذنت لك في إصلاح ما تعثر عليه من الزلل والوهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى