مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حجر العسقلاني ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حجر العسقلاني ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام إبن حجر العسقلاني، وقد نشأ ابن حجر يتيما أبا وأما، فقد توفي والده في شهر رجب سنة سبعمائة وسبعة وسبعون من الهجرة، وماتت أمه قبل ذلك بمدة، وكان أبوه قبل وفاته قد أوصى به إلى رجلين ممن كان بينه وبينهم مودة هما زكي الدين الخروبي رئيس التجار بالديار المصرية، وشمس الدين بن القطان من فقهاء الشافعية، فنشأ الحافظ إبن حجر في غاية العفة والصيانة في كنف الوصي الأول الخروبي، ولم يأل الخروبي جهدا في رعايته والعناية بتعليمه، فأدخله الكتاب بعد إكمال خمس سنين، وكان لدى ابن حجر ذكاء وسرعة حافظة بحيث إنه حفظ سورة مريم في يوم واحد، وأكمل ابن حجر حفظه للقرآن على يد صدر الدين السفطي المقرئ، وهو ابن تسع سنين، ولما رحل الخروبي إلى الحج سنة سبعمائة وأربعة وثمانون من الهجرة.

ورافقه ابن حجر وهو في نحو الثانية عشرة من عمره، وفي سنة سبعمائة وخمسة وثمانون من الهجرة، وهو لايزال متواجدا مع وصيه الخروبي في مكة سمع من الشيخ عفيف الدين عبد الله بن محمد بن محمد النشاوري، ثم المكي، غالب صحيح البخاري، وهو أول شيخ سمع عليه الحديث، وفي تلك السنة صلى بالناس التراويح إماما في الحرم المكي وكذلك أخذ فقه الحديث عن الشيخ جمال الدين أبي حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة المكي، في كتاب عمدة الأحكام، للحافظ عبد الغني المقدسي، فكان أول شيخ بحث عليه في فقه الحديث، وبعد رجوع ابن حجر مع وصيه الخروبي من الحج سنة سبعمائة وستة وثمانون من الهجرة، حفظ إبن حجر عمدة الأحكام للمقدسي، وألفية العراقي في الحديث، والحاوي الصغير للقزويني، ومختصر ابن الحاجب في أصول الفقه.

ومنهاج الأصول للبيضاوي، وملحة الإعراب للحريري، وألفية ابن مالك، وغيرها، وبعد وفاة زكي الدين الخروبي سنة سبعمائة وسبعة وثمانون من الهجرة، انتقل الحافظ إبن حجر إلى وصاية شمس الدين بن القطان، وكان الحافظ حينها قد راهق حيث بلغ أربع عشرة سنة، وكان ابن القطان فقيها وعالما بالقراءات، فدرس ابن حجر عليه الفقه والعربية والحساب وقرأ عليه شيئا من الحاوي الصغير، فأجاز له ثم درس ما جرت العادة على دراسته من أصل وفرع ولغة ونحوها وطاف على شيوخ الدراية، وفي سنة سبعمائة وتسعون من الهجرة، أكمل ابن حجر السابعة عشرة من عمره، فقرأ القرآن تجويدا على الشهاب الخيوطي، وسمع صحيح البخاري، على بعض المشايخ، كما سمع من علماء عصره البارزين واهتم بالأدب والتاريخ، ولما بلغ التاسعة عشرة من عمره.

نظر في فنون الأدب، ففاق أقرانه فيها حتى لا يكاد يسمع شعرا إلا ويستحضر من أين أخذ ناظمه، وطارح الأدباء، وقال الشعر الرّائق والنثر الفائق، ونظم المدائح النبوية والمقاطيع، ثم حبب إِليه فن الحديث فَأقبل عليه سماعا وكتابة وتخريجا وتعليقا وتصنيفا، وبدأ الطلب بنفسه في سنة سبعمائة وثلاثة وتسعون من الهجرة، غير أنه لم يكثر من الطلب إلا في سنة سبعمائة وستة وتسعون من الهجرة، وكتب بخطه عن ذلك قائلا “رفع الحجاب، وفتح الباب، وأقبل العزم المصمم على التحصيل، ووفق للهداية إلى سواء السبيل” فأخذ عن مشايخ ذلك العصر، واجتمع بالحافظ العراقي، فلازمه عشرة أعوام، وتخرج به، وانتفع بملازمته، وقرأ عليه الألفية، وشرحها، وانتهى منهما في رمضان سنة سبعمائة وثماني وتسعون من الهجرة، بمنزل شيخه العراقي بجزيرة الفيل على شاطئ النيل.

كما قرأ عليه النكت على ابن الصلاح، في مجالس آخرها سنة سبعمائة وتسع وتسعون من الهجرة، وبعض الكتب الكبار والأجزاء القصار، وقرأ وسمع على مُسندي القاهرة ومصر الكثير في مدة قصيرة، فوقع له سماع متصل عالي لبعض الأحاديث، وقد ذكرت العديد من المصادر التي ترجمت للحافظ ابن حجر أنه كان شافعي المذهب، وله مؤلفات فقهية في المذهب الشافعي، منها شرح الروضة في الفروع للنووي، وقد اختصر ابن حجر الروضة، ثم شرحه، وقد ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون، وذكر الكتاني أنه انتقل في آخر حياته إلى المذهب المالكي، وقال الكتاني ومن الغرائب التي تتعلق بترجمته ما في ثبت الشهاب أحمد بن القاسم البوني، أن الحافظ انتقل في آخر عمره لمذهب مالك قال كما رأيت ذلك بخطه في مكة المكرمة، ثم استدرك قائلا ولعل رجوعه في مسألة أو مسألتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى