مقال

الدكروري يكتب عن التطفل والفضول ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التطفل والفضول ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع التطفل والفضول، وينبغي القول في هذا المقام بأن رفض التدخل في شؤون الآخرين لا نعني به النأي عن شؤون الأغراب والأجانب فقط وإنما يشمل ذلك أيضا التدخل في شؤون أقرب المقربين، من الأبناء الراشدين والأخوة والأصدقاء، وإن العلاقة القريبة بالآخرين لا تجيز للمرء التدخل في شؤونهم الخاصة على نحو تلقائي، ولا يجوز أن يبرر ذلك التدخل بإسداء النصيحة لهم أو ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معهم، ذلك أن إسداء النصيحة له ضوابطه، وعلى رأسها أن يجري تقديمها في حال الطلب، ناهيك عن أن النصيحة لها آدابها، ومن ذلك عدم ملاءمتها في حال انعدام رغبة الآخرين في الاستماع لها.

وكذلك الحال مع مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي له أحكامه وضوابطه، والذي لا يسوغ إلا في حالات الضرر والمخالفة الصريحة للشرع، وليس من موارد ذلك الشؤون الذاتية الخاصة بالإنسان، فلا يصح الخلط بين الأمور، وإن هناك جملة أسباب تدفع بالبعض للتدخل في الشؤون الخاصة بالآخرين وأول هذه الأسباب ربما كان الرغبة في التسلية وملء الفراغ، فهناك أناس فارغون لا شغل عندهم، فيتسلون بالتدخل في شؤون الآخرين، وغاية الهم عند أمثال هؤلاء أن فلانا واقع في مشكلة مع زوجته هذه الأيام، وأن أخرا لديه خلاف مع ولده، وينبغي أن يقال لهؤلاء ما شأنكم والناس، وما الذي يسوغ لكم التدخل في شؤون الآخرين، اللهم إلا الرغبة في التسلي بشؤون الناس، نتيجة الفراغ وقلة الاهتمامات المفيدة، وهي الصفة الذميمة التي ابتلي بها بعض الناس.

والسبب الآخر هو رغبة البعض في استعراض قدراتهم، فأمثال هؤلاء يظهرون أنفسهم بمظهر المُنظر الجهبذ وصاحب الرأي الأوحد في كل الشؤون والقضايا، وبذلك يسوغ الواحد من هؤلاء لنفسه دس أنفه في كل شأن خاص بالآخرين، حتى تجده في موضع الناصح للتاجر الخاسر، والمشير على المريض الخارج من عملية جراحية معقدة، وحلال المشاكل العائلية، كل ذلك دون أن يستشار أو يطلب رأيه أحد، اللهم إلا إبداء القدرات التي لم يجد لها سبيلا سوى التدخل في شؤون الآخرين، وهو ايضا امتلاك البعض عقدا نفسية وشحنات سلبية وتراكمات يسعى لتنفيسها عن طريق التطفل على حياة الآخرين أو يكون ابتلاء البعض بنزعة فضولية تدفعه لدس أنفه في كل شاردة وواردة تتعلق بالحياة الخاصة بالآخرين.

فلا يكاد يرى شخصا إلا ويسعى لإشباع فضوله بالوقوف على كل صغيرة وكبيرة متعلقة بذلك الشخص، وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى صادرا عن نية حسنة، لولا أن الطريقة الخاطئة التي يتناول بها خصوصيات الآخرين تستحيل إلى تدخل سلبي مقيت، وإن تناول شؤون الآخرين بدافع من الفضول هو تدخل غير مبرر في خصوصياتهم، وهو نزعة البعض لممارسة النفوذ وفرض الوصاية على الغير، فأمثال هؤلاء يريدون من الآخرين أن يكونوا مثلهم ويتدرج التدخل في شؤون الآخرين إلى درجات، وتأتي الدرجة الأولى من خلال تتبع الأخبار الخاصة بالآخرين عن طريق المراقبة والتلصص، فأمثال هؤلاء لا تشبع فضولهم الإجابات العامة حول بعض الشؤون الخاصة، بل لا يرضيهم إلا أن يقفوا على كل تفصيل خاص بغيرهم.

حتى لو كان الطرف الآخر لا يرغب في الإفصاح عنه، كأن يتعلق الأمر بأوضاع صحية حساسة، أو رحلات خاصة أو قضايا عائلية، كل ذلك بدافع من نزعة فضولية تدفع نحو تتبع أدق الشؤون الخاصة بالآخرين، وهناك أيضا ألامور المتمثلة في بثّ الإشاعة وتشويه السمعة، فما يكاد يقع المتطفل على معلومة خاصة عن الطرف الآخر إلا ويبدأ في ترويجها والتطبيل عليها، حتى تصبح عنده مادة للحديث في المجالس والسؤال من يا ترى يجيز لهؤلاء فعل هذه الممارسة القميئة، ومن سمح لهم بها، ولماذا يعود المرء نفسه على هذا السلوك، ويجب علينا أن نعلم بأن التعاليم الدينية تنهى بشدة عن التدخل في شؤون الآخرين، ولنعلم جميعا أن الفضول من سمات التخلف، وتتفاوت المجتمعات في مستوى بروز هذه الظاهرة، حيث تحترم المجتمعات المتحضرة.

خصوصيات الأفراد وتنبذ التدخل في شؤونهم الخاصة، سواء كانوا أغرابا أم كانوا من المقربين كالأبناء والأخوة والأصدقاء، حتى بات من المعتاد ألا يسأل أحدهم الآخر عن شيءٍ من خصوصياته ما لم يكن هناك مقتضى يدعو لذلك، أما في مجتمعاتنا فالأغلب عندها سيطرة الفضول، بل لا يكاد يوجد فيها حدود للحياة الخاصة للأفراد، لدرجة يكاد يبدو فيها الفرد صفحة مفتوحة للآخرين، بما في ذلك أخباره وخصوصياته، فلا احترام للحياة الخاصة، ومن هنا ينبغي للإنسان المسلم أن يحرص على حسن إسلامه بالنأي عن التدخل في شؤون الآخرين، وكما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” ذلك أن النأي عن التدخل في شؤون الآخرين هو ما يمثل الإسلام الحسن، وهو ما يظهر جمال الإسلام، وخلق المتدين، وبذلك يخلص مفهوم الحديث إلى أن من يتدخل فيما لا يعنيه فإنه سيئ في إسلامه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى