مقال

الدكروري يكتب عن الضمائر ” جزء 2″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الضمائر ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الضمائر، ولقد عين الخليفة أبو بكرالصديق رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيا على المدينة، فمكث عمر سنة كاملة لم يختصم إليه اثنان، لم يعقد جلسة قضاء واحدة، وعندها طلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكرأمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ قال عمر لا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم ما له من حق، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب عزوه وواسوه، دينهم النصيحة، وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيما يختصمون؟ وفى عهد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

يأتي رجلان من المسلمين إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يختصمان في قطعة أرض ليس لأحد منهما بينة وكل واحد منهما يدعي أنها له وقد ارتفعت أصواتهما فقال “إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما يقتطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة” رواه البخاري، وعند ذلك تنازل كل واحد منهما عن دعواه فقد حرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهما الإيمان وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية وبناء الضمير والتهذيب الخلقي للفرد، فكانت هذه التربية وبناء الضمير حاجزا لهما عن الظلم والحرام، وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع .

 

جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة وقالوا له تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين ؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له فمن الذي زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله فهي لفقراء المسلمين، فماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة ولو كانت على حساب البطون الجوعى والأجساد العارية وآهات المرضى والثكالى وهموم أصحاب الحاجات، إنه مهما خوف الناس وبعث في قلوبهم الرعب برقابة البشر فهي تسقط أمام رقابة الذات ورقابة الله وما تغيرت الحياة وحدث البلاء.

 

ووجدت الخيانة وانتشر الظلم إلا يوم ضعفت رقابة الله في قلوب البشر، وهذا رجل عربي يسمى ماعز بن مالك يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول يا رسول الله، ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعلك لامست؟ لعلك قبلت، لعلك فاخذت، ويرد الرجل مرة ومرة ومرة، والرجل مصر على الاعتراف بخطيئته، مصر على التطهر منها بإقامة حد الله عليه، ولو كان الرجم بالحجر، ويأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخيرا إقامة الحد عليه، فيتقبله صابرا محتسبا، راغبا في عفو الله ومغفرته، وهذه امرأة أعرابية تعرف بالغامدية، تزني ويضطرب في أحشائها جنين من الزنا، فيأتي عليها ضميرها المؤمن وقد ارتكبت الفاحشة سرا إلا أن تتطهر منها جهارا، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

تقول له إني قد زنيت فطهرني؟ فيردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتي في الغد فتقول يا رسول الله لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فو الله إني لحبلى، فيقول لها “أما لا، فاذهبي حتى تلدي” وتذهب المرأة تنتظر الوضع، وتمضي عليها الأيام والأشهر دون أن تخبو جذوة ضميرها فما أن ولدت حتى أتت بالصبي في خرقة، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ها قد ولدته، قال لها “فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه” وتعود المرأة إلى دارها ترضع ولدها، وتمضي مدة الرضاع وهي في العادة حولان كاملان أربعة وعشرون شهرا ولم يستطع اختلاف الليل والنهار فيها أن ينسي المرأة ما ارتكبت من خطيئة، وبغير إعلان من محكمة، ولا تنبيه من حاكم، ولا حراسة من شرطي ترجع المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول القوانين طائعة مختارة.

 

لتلقى مصيرها الذي رضيته لنفسها فتقدم إليه الصبي وفي يده كسرة من الخبز، وتقول هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، ولم يجد النبي صلي الله عليه وسلم بدا بعد هذا أن أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي الله سبه إياها، فقال “مهلا يا خالد، فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى” وهذه القصة رواها الإمام مسلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى