مقال

الدكروري يكتب عن الإمام القرطبي ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام القرطبي ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الإمام القرطبي هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح، وكنيته أبو عبد الله ولد بقرطبة بالأندلس حيث تعلم القرآن الكريم وقواعد اللغة العربية وتوسع بدراسة الفقه والقراءات والبلاغة وعلوم القرآن وغيرها كما تعلم الشعر أيضا، ثم انتقل إلى مصر واستقر بمنية بني خصيب بمحافظة المنيا حتى وافته المنية في التاسع من شهر شوال عام ستمائة وإحدي وسبعين من الهجرة، وهو يعتبر من كبار المفسرين وكان فقيها ومحدثا ورعا وزاهدا متعبدا، الإمام القرطبي ولد في قرطبة أوائل القرن السابع الهجري ما بين عام ستمائة إلي ستمائة وعشرة من الهجرة، وعاش بها، ثم انتقل إلى مصر حيث استقر بمنية بني خصيب في شمال أسيوط، ويقال لها اليوم المنيا، وبقي فيها حتى توفاه الله، وأقبل القرطبي منذ صغره على العلوم الدينية والعربية إقبال المحب لها، الشغوف بها.

ففي قرطبة تعلم العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم، وتلقى بها ثقافة واسعة في الفقه والنحو والقراءات وغيرها على جماعة من العلماء المشهورين، وكان يعيش آنذاك في كنف أبيه ورعايته، وبقي كذلك حتى وفاة والده سنة ستمائة وسبع وعشرين من الهجرة، وكان إلى جانب تلقيه العلم ينقل الآجُر لصنع الخزف في فترة شبابه، وقد كانت صناعة الخزف والفخار من الصناعات التقليدية التي انتشرت في قرطبة آنذاك، وكانت حياته متواضعة، إذ كان من أسرة متوسطة أو خاملة مع علو حسبه ونسبه إلا أنه أنبه شأن أسرته، وأعلى ذكرها بما قدم من آثار ومؤلفات، وعاش مأساة الأندلس، فقد بقي بقرطبة حتى سقوطها، وخرج منها نحو عام ستمائة وثلاث وثلاثون من الهجرة، فرحل إلى المشرق طلبا للعلم من مصادره، فانتقل إلى مصر التي كانت محطا لكثير من علماء المسلمين.

على اختلاف أقطارهم، فدرس على أيدي علمائها، واستقر بها، وتأثر الإمام القرطبي كثيرا بالغنى الثقافي والمعرفي الذي كانت تعرفه الأندلس عامة وقرطبة خاصة، فنشطت الحركة العلمية في شتى الميادين اللغوية والعلمية والشرعية، ونال منها الإمام الشيء الكثير، وكان من شيوخ القرطبي ابن رواج وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج واسمه ظافر بن على بن فتوح الأزدي الإسكندراني المالكي، وابن الجميزي وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعي وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات، وأبو عباس أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي القرطبي وهو صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم، والحسن البكري وهو الحسن بن محمد بن عمرو التيمي النيسابوري ثم الدمشقي أبو على صدر الدين البكري.

وكان الإمام القرطبي رحمه الله، من الزهد والورع بمكان، ومن ثم أثنى عليه المؤرخون لتحليه بهذه الصفات الحميدة، فقال ابن فرحون كان من عباد الله الصالحين، والعلماء العارفين الورعين، الزاهدين في الدنيا، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة، ومن يطالع كتب القرطبي يجد نفس العالم الصالح الورع الزاهد في كل صفحة من صفحاتها، فهو يشكو دائما من كثرة الفساد، وانتشار الحرام، والابتعاد عن الواجبات، والوقوع في المحرمات، وكان من مظاهر ورعه وزهده، هو تصنيفه كتابي قمع الحرص بالزهد والقناعة والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ومن مظاهره أيضا هو ذمه الغنى الذي يجعل صاحبه مزهوا به، بعيدا عن تعهد الفقراء، ضعيفا في التوكل على رب الأرض والسماء، وأيضا كانت من أهم ملامحة الشخصية هو شجاعة القرطبي.

وجرأته في الحق، ولا غرابة في أن يكون القرطبي شجاع القلب، جريئا في إعلان ما يراه حقا لأنه قد اكتسب تلك الأسباب التي تسلحه بهذه الجرأة من علم واسع، وورع مشهود، واستهانة بالدنيا ومظاهرها، لهذا كان رحمه الله تعالى ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، ويتمثل هذا في إيمائه في أكثر من موضع في تفسيره إلى أن الحكام في عصره حادوا عن سواء السبيل، فهم يظلمون ويرتشون، وتسود عندهم أهل الكتاب، ومن ثم فهم ليسوا أهلا للطاعة، ولا للتقدير، وإن الدليل علي ذلك هو ما كتبه في التذكرة إذ يقول القرطبي هذا هو الزمان الذي استولى فيه الباطل على الحق، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام، ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسا، والحق عكسا لا يوصل إليه، ولا يقدر عليه، بدلوا دين الله، وغيروا حكم الله، سماعون للكذب أكالون للسحت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى