مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام العز إبن عبد السلام، ويضاف إلى ذلك الفتن المذهبية التي كانت تعمل عملها في الداخل، فالصراع شديد بين الباطنية وأهل السنة، وبين أهل السنة مع بعضهم البعض، وبين المسلمين وأهل الذمة، وفي هذا العصر نفسه، ظهرت نهضة علمية كبيرة في الشام ومصر والأندلس، وأقبل كثير من الحكام والأمراء على العلم وتشجيع العلماء وبناء المساجد، والتنافس في بناء المدارس الشهيرة التي كانت بمثابة جامعات، كالمستنصرية التي بنيت في بغداد سنة ستمائة وواحد وثلاثين من الهجرة، والكاملية بالقاهرة سنة ستمائة وواحد وعشرين من الهجرة، والصالحية بمصر ستمائة وتسع وثلاثين من الهجرة، والظاهرية بدمشق ستمائة وواحد وستين من الهجرة، والمنصورية بالقاهرة ستمائة وتسع وسبعين من الهجرة.

 

وامتاز العهد الأيوبي في مصر والشام بالاهتمام الشديد بالمدارس والعلماء وتدريس الفقه والحديث، وبناء المعاهد لكل ذلك، ولمع في هذا القرن عدد من العلماء الذين جمعوا بين مختلف العلوم والفنون في مختلف البلاد، ومنهم فخر الدين الرازي، والمبارك بن الأثير الجزري المحدث اللغوي، وموفق الدين بن قدامة الحنبلي والتبريزي الأصولي وأبو القاسم الرافعي القزويني الفقيه الشافعي وعز الدين علي بن الأثير الجزري المؤرخ الأديب وسيف الدين الآمدي الأصولي وشهاب الدين عمر السهروردي الواعظ المتصوف، الذي حضر إلى دمشق والتقى العز بن عبد السلام ومحيي الدين بن عربي المتصوف وابن أبي الدم الحموي القاضي الفقيه وابن الصلاح المحدث والحافظ ابن النجار المؤرخ وابن الحاجب الأصولي النحوي الفقيه المالكي.

 

ومجد الدين بن تيمية الفقيه والحافظ عبد العظيم المنذري والعز بن عبد السلام وابن مالك النحوي ومحيي الدين يحيى بن شرف النووي المحدث الفقيه وابن خلِّكان المؤرخ والقاضي البيضاوي الأصولي المفسر وعبد الرحمن الفزاري الفقيه المعروف بالفركاح، وكانت دمشق في زمن العز بن عبد السلام حاضرة العلم والعلماء منذ العصر الأموي، يقطنها العلماء من كافة الفنون، ويجتمع فيها أئمة العلم البارعون، ويقصدها الطلبة من كافة الأصقاع، وكان المسجد الأموي جامعة للعلوم والطلاب والعلماء، ويظهر من سيرة العز بن عبد السلام أنه عاش في أسرة فقيرة مغمورة، فلا يوجد ذكر صريح لأبيه وأمه، أو أجداده وأعمامه وأخواله، أو أي شيء عن مراحل طفولته، وكل ما تذكره المصادر أنه ابتدأ العلم في سن متأخرة، يقول ابن السبكي عن والده سمعت الشيخ الإمام يقول.

 

كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا عندما تقدم في العمر أي في العلم، وسبب ذلك أنه كان يبيت في الكلاسة وهي الزاوية والبناء والمدرسة عند الباب الشمالي للجامع الأموي، من جامع دمشق، فبات بها ليلة ذات برد شديد، فاحتلم، فقام مسرعا ونزل في بِركة الكلاسة، فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانيا، فعاد إلى البركة لأن أبواب الجامع كانت مغلقة، وهو لا يمكنه الخروج، فطلع فأغمي عليه من شدة البرد، وقال السبكي أنا أشك، هل كان الشيخ الإمام يحكي أن هذا اتفق له ثلاث مرات أو مرتين فقط، ثم سمع النداء في المرة الأخيرة يا ابن عبد السلام، أتريد العلم أم العمل؟ فقال الشيخ عز الدين العلم لأنه يهدي إلى العمل، فأصبح، وأخذ التنبيه، فحفظه في مدة يسيرة، وأقبل على العلم، فكان أعلم أهل زمانه، ومن أعبد خلق الله تعالى.

 

وتوجه العز إلى طلب العلم بجد واجتهاد وهمة عالية ليُعوض ما فاته في المدة السابقة من طفولته وصباه، فقصد العلماء وجلس في حلقاتهم، ينهل من علومهم، ويكب على الدراسة والحفظ، والفهم والاستيعاب، حتى حفظ التنبيه، في فينة قصيرة، واجتاز العلوم بمدة يسيرة، وهو ما تحدث به عن نفسه فقال ما احتجت في علم العلوم إلى أن أكمله على الشيخ الذي أقرأ عليه، وما توسطته على شيخ من المشايخ الذين كنت أقرأ عليهم إلا وقال لي الشيخ قد استغنيت عني فاشتغل مع نفسك، ولم أقنع بذلك، بل لا أبرح حتى أكمل الكتاب الذي أقرؤه في ذلك العلم، وكان يقول مضت لي ثلاثون سنة لا أنام حتى أمر أبواب الأحكام على خاطري، وجمع العز في تحصيله بين العلوم الشرعية والعلوم العربية، فدرس التفسير وعلوم القرآن، والفقه وأصوله، والحديث وعلومه.

 

واللغة والتصوف، والنحو والبلاغة، وعلم الخلاف، ولم يكتفي العز بدراسة هذه العلوم، ولكنه تفوق في معرفتها والتأليف فيها، ولذلك قال ابن العماد الحنبلي عنه وبرع في الفقه والأصول والعربية، وفاق الأقران والأضراب، وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف أقوال الناس ومآخذهم، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقضى العز معظم حياته في دمشق، وكان أكثر تحصيله وطلبه للعلم على علمائها، ولكنه ارتحل عنها ثلاث مرات لأغراض مختلفة، الأولى رحلته إلى بغداد، والثانية رحلته إلى مصر، والثالثة هي رحلته إلى الحجاز بقصد الحج والعمرة، وكانت هذه الأخيرة في الغالب بعد سنة ستمائة وأربع وأربعون من الهجرة، وكان قد بلغ في العلم غايته، وبعد أن عزل نفسه عن قضاء مصر، وكان الناس يقصدونه هناك بالفتوى والأخذ عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى