مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام العز إبن عبد السلام، ثم جاء عهد عماد الدين زنكي أمير الموصل الذي تصدى للصليبيين، وبدأ بتوحيد صفوف المسلمين، ثم خلفه ابنه نور الدين محمود الذي اتسم عهده بالصلاح والاهتمام بالعلم، فسعى لتوحيد البلاد الإسلامية وجمع صفوفها ضد أعداء الإسلام، حتى توفي سنة خمسمائة وتسع وستين من الهجرة، فخلفه صلاح الدين الأيوبي الذي كان نائبا عنه في حكم مصر، فأسس الدولة الأيوبية، وبدأ في الإصلاح السياسي والعلمي والاجتماعي والعسكري، وسعى إلى توحيد الشام ومصر، ثم اتجه إلى محاربة الصليبيين، فاستطاع أن يسترد بيت المقدس سنة خمسمائة وثلاث وثمانين من الهجرة، وتابع تحرير فلسطين وسائر بلاد الشام من الصليبيين حتى توفي سنة خمسمائة وتسع وثمانين من الهجرة، وبعد وفاة صلاح الدين الأيوبي.

 

وقعت التفرقة بين حكام الإمارات والمدن من أبناء صلاح الدين وإخوته، فانقسمت الدولة الأيوبية إلى دُويلات يتآمر حكامها على بعض، ويحارب بعضهم الآخر، فاشتد ضعفهم، وهزلت صورتهم وكيانهم أمام الصليبيين من الغرب، والتتار من الشرق، ووصل بهم الأمر إلى أن يتحالف بعضهم مع الصليبيين ويستعينوا بهم على إخوتهم أو أبناء إخوتهم، ويسلموهم البلاد والقلاع والحصون، واستمر الأمر كذلك حتى انتهت الدولة الأيوبية، وبدأت دولة المماليك، وتولى قطز الإمارة سنة ستمائة وسبع وخمسين من الهجرة، واتجه لملاقاة التتار القادمين من الشرق، وقد أسقطوا الخلافة العباسية في بغداد سنة ستمائة وست وخمسين من الهجرة، ودخلوا الشام واتجهوا نحو مصر، فتلقاهم قطز بعين جالوت بفلسطين وانتصر عليهم، وتم قتله أثناء عودته إلى مصر.

 

فتولى الظاهر بيبرس السلطة مكانه، وبقي في الحكم حتى نهاية عُمر العز بن عبد السلام، وأما عن أخلاقه وصفاته، فإنه لم تسعف كتب التراجم والسير إلا بالقليل النادر عن صفات العز بن عبد السلام الخلقية، فلم تذكر سوى أنه كان طويل القامة، كامل الصورة والأوصاف، مما جعله مقبولا عند الناس، وليس فيه عاهة أو علامة فارقة تلفت نظر الناظر أو قلم الباحث والكاتب في عصره أو بعده، وكما اتفقت كلمة معاصري العز وتلاميذه ومن بعدهم من العلماء والمصنفين على وصف العز بأنه كان ورعا تقيا، بل شديد الورع بالالتزام بالحلال والبعد عن الحرام، واجتناب الشبهات في أعماله وتصرفاته، وفي مناصبه ومواقفه، وفي كسبه ورزقه وإنفاقه، وفي عباداته ومعاملاته، ومما يدل على ورعه وزهده أنه لم يجمع من الدنيا إلا القليل.

 

فإذا عُرضت عليه أعرض عنها، وقصصه في ذلك كثيرة، منها عندما انتهت محنته مع الملك الأشرف بدمشق، واقتنع الملك بعقيدة العز، أراد أن يسترضيه ويعوضه بالصلة والمال، وقال والله لأجعلنه أغنى العلماء، ولكن العز لم يأبه لذلك، ولم ينتهز هذه الفرصة لمصالحه الشخصية، فلم يقبل درهما من الملك، بل رفض الاجتماع به لأمور شخصية أو مجاملات رسمية، كما اعتذر عن الاجتماع بالملك الكامل عندما قدم دمشق وطلبه إليه، ولما مرض الملك الأشرف مرض الموت وطلب الاجتماع بالعز ليدعو له ويقدم له النصيحة، اعتبر العز ذلك قربة لله تعالى وقال نعم، إن هذه العبادة لمن أفضل العبادات، لما فيها من النفع المتعدي إن شاء الله تعالى، وذهب ودعا للسلطان لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام، وأمره بإزالة المنكرات، وطلب منه الملك العفو والصفح.

 

عما جرى في المحنة قائلا يا عز الدين، اجعلني في حل، فقال العز أما محاللتك فإني كل ليلة أحالل الخلق، وأبيت وليس لي عند أحد مظلمة، وأرى أن يكون أجري على الله، وفي نهاية الجلسة أطلق له السلطان ألف دينار مصرية، فردها عليه، وقال هذه اجتماعة لله، لا أكدرها بشيء من الدنيا ولما هاجر العز من دمشق وقد ناهز الستين، لم يحمل معه شيئا من المتاع والمال ولما استقال العز من القضاء عند فتواه ببيع الأمراء، خرج من القاهرة وكل أمتعته في الحياة مع أسرته حمل حمار واحد، مما يدل على قناعته بالقليل، وزهده في المال والمتاع، وتميز العهد الأيوبي والمملوكي بكثرة بناء المدارس والاهتمام بالعلم، وقد أثرت الحالة السياسية والكوارث الداخلية والخارجية التي حلت بالبلاد الإسلامية في القرون الثلاثة الخامس والسادس والسابع على الحركة العلمية والنهضة الثقافية.

 

سلبا وإيجابا، فمن جهة ركدت الحركة العلمية، وقصرت الهمم، وجمد الاجتهاد وساد التقليد، وكان للفساد الاجتماعي والانحلال الخلقي بين الناس أثر على العلم والعلماء الذين آثر كثير منهم اعتزال المجتمع، والانقطاع إلى العلم والعبادة، والابتعاد عن الحكام والأمراء، بينما كان فريق آخر يقف في وجه الانحراف، ويسعى إلى تقويم السلوك وإصلاح المجتمع، ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتصدى لتصرفات الحكام والأمراء، وشهد القرن السابع الهجري أعظم النكبات التي حلت بالثروة العلمية والتراث الإسلامي الضخم، فقتل عدد كبير من العلماء، وحُرقت الكتب والمكتبتات، وهاجر كثير من العلماء من بلادهم إلى مكان آخر، يأمنون فيه على دينهم وعلمهم، ويمارسون نشاطهم ودروسهم، ويركنون فيه إلى البحث والتأليف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى