مقال

خبير عسكرى: يكشف أسرار الساعات الأولى من حرب العاشر من رمضان

جريدة الأضواء

خبير عسكرى: يكشف أسرار الساعات الأولى من حرب العاشر من رمضان

 

رمضان شهر الانتصارات…. من غزوة بدر .. إلى حرب العاشر من رمضان توقيت الحرب لمس مشاعر الروحية للجندي.. التوقيت وخطة الخداع دليلان على عبقرية القادة

 

في العام الثانى من هجرة الرسول الكريم وقعت معركة بدر أولى المعارك، والتى وقعت في ١٧ رمضان فقاد النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة من أصحابه لاعتراض قافلة لقريش يقودها أبوسفيان بن حرب، إلا أن القافلة اتخذت طريقا آخر، مما دفع كبار قريش إلى الخروج والتصميم على ملاقاة المسلمين في معركة مباشرة، ظنا منهم أنها ستكون نزهة عسكرية، ليحقق أول نصر عسكرى للمسلمين.

كان الصيام ولا يزال مصدر إلهام وحماس ومحفزا لرفع الروح المعنوية لدى الجنود، فمنذ فجر التاريخ شهد شهر رمضان المبارك العديد من المعارك الفاصلة التى أسهمت بلا شك في تحقيق العديد من الإنجازات على الصعيد العسكرى.

رمضان فتحت مكة والأندلس وشهد الشهر الكريم معارك حاسمة مثل حطين وعين جالوت وصولا إلى النصر العظيم، وعبور الممر الملاحى لقناة السويس، وتحطيم خط بارليف المنيع لتبدأ رحلة تحرير كل شبر من أراضى سيناء الغالية.

 

قال اللواء اشرف فوزى، الخبير عسكرى وعضو المجموعة ٧٣مؤرخين: في حرب رمضان كيف كان صيام رمضان يلتقى بمشاعر المقاتلين ويأخذهم إلى سماوات عالية نفسيا ليستشعروا من خلالها أنهم جند الله المنصورون برحمة منه، ثم شاهدنااقتحامهم وتقبلهم أثناء عبورهم قناة السويس في الساعة الثانية بإيمان كامل كما لو كانت كلمة الموت محيت من مفاهيمهم، فلم يفكر أحد في الاحتمال المؤكد من حروب سابقة على مر حروب الإنسانية، ونزلوا إلى مياه القنال في القوارب للعبور “في لا زمن” بينما المقدر من التدريب والدراسات العسكرية أن ٢٠٠ متر عرض قناة السويس تحتاج إلى أربع دقائق من التجديف على الأقل.

وأكمل بينما الواقع الذى حدث يوم العاشر من رمضان ٧٣ أن القوارب تسير سريعا وكأنها بدون مجاديف مغادرة الشاطئ القريب “الغربي” وصلت إلى الشاطئ البعيد “الشرقي” في لمحة من الزمن لا تكاد تصل إلى دقيقة، ثم تبدأ بعدها بدقائق معركة في وضح النهار، المقاتلون المصريون يواجهون أحدث الدبابات الغربية، وكانت الأسلحة الخفيفة البسيطة المتوفرة تنتهك أجساد الدبابات المصنوعة من الصلب.

 

وأضاف لا شك أن اختيار توقيت الحرب خلال شهر رمضان كان اختيارا له مغزى كبير، حينما لامس متخذو القرار في مصر المشاعر الروحية للجندى وهى جزء كبير جدا لكفاءته القتالية، فالمقاتل الذى يستشعر أنه في حماية ورحمة من الله يزداد قوة ويزداد إصرارا وتمسكا بحقه وهذا الذى حدث بالفعل.

وتابع لا شك أن الحالة الإيمانية المرتبطة بالصيام وما يترتب عليها من إحساس بالقرب من رحمة الله دفعت الجنود المقاتلين المصريين بأن ينفذوا مهامهم القتالية وهم على ثقة عالية بأنهم منصورون بإذن الله.واضاف الخبير العسكرى، عندما نقص كيف تغلب الجنود على عقبات الصيام لا بد أن نذكر أنه كان كل فرد في القوات المسلحة بداية من الضابط إلى الجندى جميعهم ينتظر الإشارة للهجوم.

و استطرد ليس هناك فرق عند الجندى بين فطار وصيام، بداية من أكتوبر ٧٣ رفع السادات الدرجات إلى الحالة الكاملة والتى تسمى (تحرير) هذا النشاط نحن كمخططين نعلم منه أن الموضوع خلال ساعات ستحدث الحرب، أما عن الأفراد العاديين كانوا منفعلين جدا من هذا المشروع وكانوا يؤدون الأعمال خاصتهم التى كانت تسمى بعملية إعادة تجميع “الحشد للهجوم” عندما كانوا يتقدمون من الخلف إلى خط الجبهة ويحدث تغيير الأماكن كى تعلم كل وحدة الاتجاه الذى ستمر به كل ذلك ولد عند الجنود شعورا بالمسئولية “إحنا هنحارب.. إحنا في حرب فعلا” سيطرت تلك الجمل على عقولهم من يوم ٤ عندما كان القادة بدءوا التحرك في إبلاغ الجيش أمر الهجوم الذى وصل الساعة ٦ مساء يوم ٤ أكتوبر.

تم عقد مؤتمر لقادة التشكيلات مع الحركة التى نشأت وقتها ليعرف الجميع بأمر الحرب، وكان الجنود لديهم استعداد تام مع تصميم سابق لا بد إن شاء الله من الانتصار وأنه الحل الوحيد، جميع الجنود لديها شعور بضرورة النصر.

بالتزامن مع رمضان بدأت العساكر في معرفة توقيتات الهجوم في تمام الساعة ١١ صباحا وفى تمام ١٢ ظهرا صدر قرار بأن جميع الجنود تكون من غير خوذة ويصعدوا لأعلى لمعرفة الاتجاهات التى يهاجمون عليها وعندما عادوا صدر أمر الساعة ١٢.٣٠ مساءً أن من يحمل السلاح أو يرتدى الخوذة في ذلك الوقت حتى الساعة الثانية سوف يحاكم عسكريا وقد لاقى القرار التزاما منهم جميعًا والهدوء الذى تبع العاصفة الذى أوهم أحد كبار العسكريين في إسرائيل موشى ديان وزير الدفاع قبل الهجوم واستشعر هذا الهدوء الغريب وكذب الإخبارية المؤكدة للحرب التى وصلتهم.

وعندما حدث الزلزال في تمام الساعة الثانية بعد الظهر كان النصر حليفنا، وكان قد صدر إفتاء من شيخ الأزهر الشريف أنه يجوز الإفطار في رمضان لأنهم في حرب، ولكن لا يوجد عسكرى أو قائد لم يصم جميعا كنا صائمين، وأتذكر أن أول ما نزل جوفنا كان الساعة ١٢ بعد منتصف الليل وهو عبارة عن علب مجففة من العدس والفول كى تكون سهلة الحمل أثناء الحروب، وذلك في تهانى وفرح لتحقيق أول خطوة في الانتصار وأننا سوف نستمر بإذن الله.

وكان الشائع بين الجنود أن الصيام وبركة رمضان والتصميم والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى هو الذى نصرنا وبالتالى زاد الإحساس تجاه الله كلما انتصرنا.

وصف اشرف فوزى الخبير العسكرى، اختيار التوقيت لبدء حرب أكتوبر ١٩٧٣ في شهر رمضان الكريم بالعبقرية، فجيش الاحتلال الإسرائيلى لم يتوقع شن المصريين للحرب في هذا الشهر المُكرم، ففى هذا التوقيت استبعدت قوات الاحتلال خوض الجنود المصريين الحرب أثناء صيامهم، وعبقرية العبور أثناء الصيام أيضًا من قبل قائد الحرب أنور السادات، موضحًا أن النزعة الدينية لدى المصريين كانت مرتفعة خلال شهر رمضان، فإن الفريق الشاذلى داخل غرفة العمليات صاح بالتكبيرات “الله أكبر” وقت الحرب.

ويتابع اللواء أشرف، أن كل قيادات وقوات وجنود الجيش المصرى تناقلت صيحات التكبير فيما بينهم، والتى كانت سبب الانتصار في حرب أكتوبر، مضيفًا أن المقارنة ما بين القوات المصرية والإسرائيلية في هذه الحرب تشير إلى تفوق قوات العدو على الجنود المصريين في كل شيء من حيث المعدات والأسلحة وغيرها، إلا أن مصر حققت النصر بفضل “الله أكبر”، وصيام شهر رمضان الكريم، والأمر الذى لفت انتباه العالم أجمع بعد الحرب، ودفع القوات الأمريكية والإسرائيلية إلى وصف المصريين بـ”لم يقهروا وليس لهم حل”.

ويوضح، أن قوة الجيش المصرى في حرب أكتوبر دفعت الدول المعادية لمصر بعد الحرب إلى السعى لتدمير الهوية المصرية الثقافية، مما بدءوا في استغلالها لإدخال التيارات الإسلامية وإخراج الإخوان من السجون والتيار السلفى من الدول الإسلامية لتدمير الشخصية المصرية، وتدمير كلمة “الله أكبر” التى انتصرت بها قوات الجيش المصرى في حرب ١٩٧٣ والسعى لخلق العداء ما بين التيارات الوطنية والدينية في مصر، الأمر الذى يستمر حتى الوقت الراهن، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة اعتادت على التدريب المستمر للحرب في أى وقت سواء أثناء الصيام أو الأوقات العادية خلال فترة الانضمام للجيش، فإن الجنود اعتادوا على التعايش مع كل الظروف والأوقات، مما خلق عقيدة “الدفاع عن الوطن” لدى ضباط وجنود الجيش، فإن هذا الأمر سر حرب أكتوبر وتحقيق النصر فيها نتيجة الإيمان بالمولى عز وجل والعزيمة خلال الصيام في شهر رمضان ورفع اسم الوطن عاليا.

 

ويرى اللواء اشرف ، أن اختيار توقيت حرب أكتوبر ١٩٧٣ في العاشر من شهر رمضان الكريم يرجع إلى أكثر من عامل، ففى البداية قام الرئيس السادات بتأمين التموين من السلع الإستراتيجية داخل البلاد، تحسبًا لأى مشكلة من الممكن أن تحدث أثناء الحرب حتى لا تؤدى إلى مجاعة المواطنين في الداخل، تحت مسمى “تأمين الجبهة الداخلية”، لافتًا إلى أنه كان من المتوقع اندلاع الحرب في الفترة من ٥ إلى ١٠ شهر رمضان.

ويستكمل اشرف، أن وجود الحرب في شهر رمضان الكريم كان مهما جدًا، لأن حروب المسلمين أيضًا قديمًا مثل معركة بدر الشهيرة خاضها المسلمون في الشهر الكريم، فإن حرب أكتوبر كانت لتحرير الأرض التى أمر الله عز وجل بالدفاع عنها وحمايتها، كما كان توقيت حرب أكتوبر وسيلة تشجيعية للمواطنين وقوات الجيش أيضًا لنيل الشهادة في الشهر المكرم، والذى كان دافعًا أقوى لقتال قوات العدو الإسرائيلى، ورفع الروح المعنوية لقوات الجيش المصرى وظهرت الحرب بهذه الروح القوية مما ساهم في تحقيق النصر.

ويشير إلى أن حرب أكتوبر كانت خدعة إستراتيجية لقوات الاحتلال الإسرائيلى، لخوضها في شهر رمضان في الصباح الباكر قبل الإفطار، الأمر الذى كان بمثابة تمويه استراتيجى مصرى، فضلًا عن الإعداد للحرب مبكرًا والصبر والتخطيط الجيد من العوامل التى ساعدت في عملية النصر وتحقيقها بنتائج مبهرة، والتى دفعت القوات الأمريكية قبل شن الحرب إلى الإعلان عن عدم خوض مصر لأى حرب ضد إسرائيل، موضحًا أن هذه الحرب في الشهر الكريم استمدت من حرب المسلمين قديمًا في موقعة “بدر” وتحقيق النصر ورفع راية الإسلام، مما رفع الروح المعنوية للجنود والضباط.

واختتم الخبير المصرى ، أن الحرب خدعة فإن جزءًا منها أو من خططها في شهر رمضان عام ١٩٧٣ كانت نوعا من الخدع لأن التوقيت كان غير متوقع للعالم أجمع، موضحة أن القيادة السياسية آنذاك أعلنت عن سفر قيادات الجيش لأداء مناسك العمرة بمناسبة شهر رمضان، وكان هناك تمويه عن الحرب بهذه الطريقة، فضلًا عن أن المصريين مناعتهم قوية جدًا ويعتبرون أن البركة تحل عليهم في شهر رمضان الكريم، فإنها عقيدة لدى كل المسلمين.

وأكد، أن عقيدة الجيش المصرى تعتمد على تحرير الأرض من العدو، سواء كان في توقيت الصيام أو غيره من التوقيتات، حيث إن الشعب المصرى والجيش أيضًا في توقيت حرب أكتوبر وقبلها كان منتظرا للحرب بشتى الطرق فإن الجميع كان يريد الثأر من الهزيمة التى أصابت البلاد في نكسة ١٩٦٧، وكانت ضرورة ملحة لتحرير الأرض واسترداد الكرامة للأرض المحتلة وللجيش، الذى لم يفرق معه شن الحرب أثناء الصيام وفى توقيت صادم أيضًا وهو في تمام الساعة الثانية ظهرًا، مما كان نوعًا من الخداع المعروف في استراتيجيات الحرب.

أن قرار الحرب وتوقيته في العاشر من شهر رمضان كانا للرئيس السادات، واعتمد في خطته على خداع العدو الإسرائيلى بالإعلان عن سفر قيادات الجيش لأداء العمرة في السعودية، مما دفع إلى انخفاض استعداد العدو في هذا التوقيت وكانت الحرب غير متوقعة، فضلًا عن أن الحرب كانت في يوم السبت أيضًا وهو توقيت غير متوقع، وكانت حالة الاستعداد لدى العدو الإسرائيلى ضعيفة جدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى