مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام إبن القيم الجوزية، ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علما جمّا، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة، ويقول ابن كثير عنه وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد، لا يحسد أحدا ولا يؤذيه، ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد وبالجملة كان قليل النظر في مجموعه وأموره وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق والفضيلة، ويقول أيضا معتزا بصحبته ومحبته له وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه، ويقول ابن رجب وكان رحمه الله تعالى ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار والافتقار إلى الله والانكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشاهد مثله في ذلك.

 

ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان أعلم منه وليس هو المعصوم ولكن لم أر في معناه مثله، كما ذكر أقرانه من العلماء أنه كان كثير العبادة شديد الورع، فقال ابن كثير لا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكان له طريقة في الصلاة يطيلها جدا، ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع، ولا ينزع عن ذلك رحمه الله تعالى، وذكر ابن القيم في منظومته الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، والتي تسمى بنونية ابن القيم، ما يقوله الأشاعرة وغيرهم في الصفات والتأويلات، ثم عقد فصلا ذكر فيه أنه هو أيضا كان يتبع أقوالهم ويقول مثل قولهم، ويذكر بكر بن عبد الله أبو زيد مستدلا بهذه الأبيات، أن ابن القيم تاب على يد ابن تيمية، فيقول ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية بعض ما يقوله الأشاعرة.

 

 

وغيرهم في الصفات من التأويلات، وبعض ما في كتب النفاة من الطامات، وقد بين ضررهم على الدين ومناهضتهم لنصوص الكتب والسنة، ثم عقد فصلا أعلن فيه أنه قد وقع في بعض تلك المهالك، حتى أتاح له الإله من أزال عنه تلك الأوهام، وأخذ بيده إلى طريق الحق والسلامة، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقد قال سيد حسين العفاني أيضا بمثل قول بكر بن عبد الله أبي زيد، وفي المقابل يذكر آخرون مثل صالح بن أحمد الشامي أن القضية هنا هي تكون إطار الاجتهاد أو تصحيح المسار ومثل هذا لا يعد ذنبا، والانتقال إليه لا يسمى توبة، فيقول معلقا على كلام بكر أبي زيد قائلا ولم أري من المترجمين لابن القيم من ذكر هذا الموضوع أو أشار إليه، بحسب اطلاعي المتواضع، والتوبة بمعناها الخاص تكون بعد الذنب المتعارف عليه أنه ذنب، ووضعها عنوانا لهذا الأمر.

 

لا يتناسب مع مكانة ابن القيم مع تقديري الكبير للشيخ بكر وإن كل إنسان مهما كان شأنه عرضة للوقوع في الذنب، وليس في هذه الأبيات وكذلك الأبيات بعدها ذكر للتوبة، وإنما القضية هنا تكون في إطار تغير الاجتهاد أو تصحيح المسار، ومثل هذا لا يعد ذنبا، والانتقال إليه لا يسمى توبة، والأبيات في الحقيقة هي تسجيل لفضل شيخ الإسلام على ابن القيم في إيضاح بعض مسائل العقيدة، والدعوة إلى التزام الكتاب والسنة، وقد تحدثت مصادر ترجمة ابن القيم عن اشتهاره بحب الكتب وجمعها، حتى تكونت لديه مكتبة كبيرة، فيقول ابن كثير واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيل عُشره، من كتب السلف والخلف، وقال ابن رجب وكان شديد المحبة للعلم، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره، ويقول ابن حجر العسقلاني وكان مُغرى بجمع الكتب، فحصل منها ما لا يُحصر.

 

وقد خلف ابن القيم مكتبة كبيرة جدا، فيذكر ابن حجر أن أولاده ظلوا دهرا يبيعون منها بعد موته، سوى ما اصطفوه لأنفسهم، وقد اقتنى ابن أخيه عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن زين الدين عبد الرحمن أكثر كتبه، كما تصف معظم كتب التراجم مذهب ابن القيم بالحنبلي، وذلك لأنه نشأ في مدارس هذا المذهب، بالإضافة إلى أن أسرته كانت تتمذهب به، وقد كان والده أبو بكر الزرعي قيما على المدرسة الجوزية، ولكن ابن القيم بعدما شب واتصل بشيخه ابن تيمية، حصل تحول بحياته العلمية، لا بمعنى تركه المذهب، وإنما أصبح يعنى بالدليل من الكتاب والسنة، ويتبعه حتى لو كان ذلك مخالفا لمذهبه، وقد كان يحث على هذا الطريق، فيقول في كتابه مدارج السالكين فيا أيها القارئ له، لك غنمه وعلى مؤلفه غرمه، لك ثمرته وعليه تبعته، فما وجدت فيه من صواب وحق فاقبله، ولا تلتفت إلى قائله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى