مقال

الدكروري يكتب عن ليلة القدر ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ليلة القدر ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثاني مع ليلة القدر، ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة، أي جماعة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله فينزلون من لدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر” فينزلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة من أرزاق العباد وآجالهم إلى قابل، وليس الأمر كما شاع بين كثير من الناس من أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي توزع فيها الأرزاق والتي يبين فيها ويفصل من يموت ومن يولد في هذه المدة إلى غير ذلك من التفاصيل من حوادث البشر، بل تلك الليلة هى ليلة القدر كما قال ابن عباس ترجمان الأمة فإنه قال فى قول القرآن ” إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منزلين، فيها يفرق كل أمر حكيم” هى ليلة القدر، ففيها أنزل القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم أي كل أمر مبرم، أى أنه يكون فيها تقسيم القضايا.

التي تحدث للعالم من موت وصحة ومرض وغنى وفقر وغير ذلك، مما يطرأ على البشر من الأحوال المختلفة من هذه الليلة إلى مثلها من العام القابل، ثم قال الله تعالى ” سلام هى حتى مطلع الفجر” فإن ليلة القدر سلام وخير على أولياء الله وأهل طاعته المؤمنين ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو أذى، وتدوم تلك السلامة حتى مطلع الفجر، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت “قلت يا رسول الله إن علمت ليلة ما أقول فيها؟ قال قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” وكان أكثر دعاء النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى رمضان وغيره “ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” وإن من علامات ليلة القدر، أنه ذكر الشيخ ابن عثيمين أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة، فأما العلامات المقارنة فذكر منها قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وطمأنينة القلب.

وانشراح الصدر من المسلم، والرياح تكون فيها ساكنة، وأما العلامات اللاحقة فذكر منها أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع، ودلل لذلك بحديث روى عن أبي بن كعب في صحيح مسلم، أنه قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وعن عبد الله بن أنيس أنه قال “يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر، فقال صلى الله عليه وسلم “لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك” ولقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن تتحرى ليلة القدر في شهر رمضان كله، وفي العشر الأواخر منه خاصة، وفي أوتارها على أخص الخصوص، ومعنى تحريها هو الحرص على إدراكها بعمل الخير والطاعة حتى يكتب للمرء ذلكم الأجر العظيم المعد لقائميها.

الذى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ولا منافاة بين غفران ما تقدم من الذنوب بقيام ليلة القدر وغفرانها بصيام رمضان لأن الذنوب مثل الأمراض فكما أن لكل مرض دواء، فكذلكم الذنوب، لكل ذنب ما يناسب تكفيره، ومن أعظم المكفرات إحياء ليلة القدر بالقيام بين يدي الملك العلام بمناجاته وحسن التبتل بين يديه، لا أن تأتي على المسلم وهو في غفلة معرض، فذلك من الحرمان والخسران المبين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على إدراكها ويبين لأمته كيف يكون التحري، وذلك بالاعتكاف والقيام كما روى أبوسعيد الخدري رضي الله عنه قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال إن الذى تطلب أمامك.

فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان، فقال “من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليرجع، فإني أريت ليلة القدر، وإنى نسيتها، وإنها في العشر الأواخر، في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء” وكان سقف المسجد جريد النخل، قال أبوسعيد وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعة، أى بمعنى سحابة، فأمطرنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته تصديق رؤياه” وكان ذلك ليلة واحد وعشرين، وهو ميل الشافعي رحمه الله تعالى في تعيينها، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس بحثا عنها وتحريا لها، حتى أنهم تراءوها في منامهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى