مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حزم الأندلسي ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن حزم الأندلسي ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام إبن حزم الأندلسي هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي القرطبي، وهو يعد من أكبر علماء الأندلس وأكبر علماء الإسلام تصنيفا وتأليفا بعد الإمام الطبري، وهو إمام حافظ، وفقيه ظاهري، ومجدد القول به، بل محيي المذهب بعد زواله في الشرق، ومتكلم وأديب وشاعر ونسّابة وعالم برجال الحديث وناقد محلل بل وصفه البعض بالفيلسوف كما عد من أوائل من قال بكروية الأرض، كما كان وزير سياسي لبني أمية، سلك طريق نبذ التقليد وتحرير الأتباع، قامت عليه جماعة من المالكية وتم تشريده عن وطنه، وهو القرطبي مولدا ونشأة، الظاهري منهجا، اليزيدي ولاء، فكان جده يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب أخو الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، وولد إبن حزم في الثلاثين من شهر رمضان سنة ثلاثمائة وأربعة وثمانين من الهجرة.

 

الموافق السابع من شهر نوفمبر سنة تسعمائة وأربعة وتسعين ميلادي، وعاش الإمام إبن حزم حياته الأولى في صحبة أخيه أبى بكر، الذي كان يكبره بخمس سنوات، في قصر أبيه أحد وزراء المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر من بعده، وكانت تربيته في تلك الفترة على أيدي جواري القصر الذي كان مقاما في الشارع الآخذ من النهر الصغير على الدرب المتصل بقصر الزاهرة، والملاصق لدار المنصور بن أبي عامر ومن ذلك نعرف مدى المكانة التي كان يحظى بها والد ابن حزم لدى المنصور بن أبي عامر حتى جاوره في السكن، وكان ابن حزم قد خرج من وسط أسرة عرفت الإسلام منذ جده الأعلى يزيد بن أبي سفيان، وكان خلف أول من دخل الأندلس من أسرته في صحبة الأمير عبد الرحمن الداخل، وكان مقامه في لبلة، ومن ذلك نعرف أن مقر هذه الاسرة كانت الشام بعد مشاركة يزيد أصل هذه الاسرة في الفتوحات الإسلامية بها.

 

ولما خرج عبد الرحمن إلى الأندلس خرج معه خلف بن معدان وهناك مصادر تؤكد انه من أصل أسباني، وقد بدأت هذه الأسرة تحتل مكانها الرفيع كواحدة من كرائم العائلات بالأندلس في عهد الحكم المستنصر، ونجحت في امتلاك قرية بأسرها هي منت ليشم، ولا يعلم هل خلف بن معدان هو الذي تملكها أم أبناؤه من بعده، ولعل ذلك يحيلنا إلى مدى ذكاء هذه الاسرة الذي انعكس بدوره على أحمد بن سعيد وولده ابن حزم من بعده، ويعتبر أحمد بن سعيد أحد مشاهير هذه الأسرة ومؤسس ملكها حتى قال عنه ابن حيان هو الوزير المعقل في زمانه الراجح في ميزانه، وهو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر برأس رابية وعمده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة، وقد كان لهذه الصفات إلى جانب اتجاهه للحزب الأموي وعمق ولائه لأمرائه وخلفائه دور هام في استوزار المنصور له وكان ذلك سنة ثلاثمائة وواحد وثمانين من الهجرة.

 

الموافق تسعمائة وواحد وتسعين ميلادي، وبلغ من شدة ثقته به أنه كان يستخلفه على المملكة أوقات مغيبه عنها، وصير خاتمه في يده، وكان لأحمد بن سعيد مجلس يحضره العلماء والشعراء، أمثال أبى عمر بن حبرون، وخلف بن رضا ، وكان له باع طويل في الشعر ومشاركة قوية في البلاغة والأدب حتى إنه ليتعجب ممن يلحن في مخاطبة أو يجيء بلفظة قلقة في مكاتبة، وقد كان لهذا أثره على ولده ابن حزم في تمكنه من اللغة والشعر واهتمامه بهما حتى أن بلاغته كان لها من التأثير أنها تأخذ بمجامع القلوب وتنفذ إلى أعماق النفوس في أسلوب سهل ممتنع رقيق يخلو من الاستطرادات ويتسم بطول النفس وجمال النكتة وخفة الروح، كما كان أحمد بن سعيد من المشاركين في حركة الإفتاء بالأندلس من خلال مجالسه العلمية والمناظرات التي كانت تدور في قصره، حتى قال عنه ابن العماد كان مفتيا لغويا متبحرا في علم اللسان.

 

وهذه العبارة توضح الأثر الذي تركه أحمد بن سعيد على ولده ابن حزم الذي اعتمد في فتواه وتفسيره لنصوص القرآن والسنة على ظاهر اللغة ومن ثم يكون والده أحد الأسباب التي دفعته إلى المنهج الظاهري في الفتيا والتفسير، بالرغم من أنه كان مالكي المذهب، وقد طلب ابن حزم العلم مبكرا وساعده على الأخذ عن الكبار، وساعده جده في تحصيل العلم على الأخذ عن العديد من أهل عصره، وهاهم مشاهير شيوخه، وما أخذه ابن حزم عنهم بالأخص، والملاحظ أن ثقافة ابن حزم الفقهية والحديثية والكلامية، بدأت في سن مبكر أي قبل أن يغادر قرطبة، وفي هذا تكذيب للرواية التي يأتي بها العديد من الكتاب والمؤلفين، والتي مفادها أنه لم يتجه إلى التحصيل إلا في سن السادسة والعشرين، وظل أحمد بن سعيد وزيرا بعد الخليفة المنصور،لابنه الخليفة المظفر وأخيه عبد الرحمن شنجول، إلى أن أعفي من منصبه في عهد الخليفة محمد المهدي.

 

وترك منية المغيرة، وهو حى كبار موظفى البلاط، وعاد إلي سكنه القديم في بلاط مغيث بعيدا عن صخب السياسة، وبعد اغتيال المهدي في شهر ذي الحجة سنة ربعمائة من الهجرة، ومبايعة هشام المؤيد ثانية بعد الزعم بموته، اصطدم أحمد بن سعيد بالقائد الصقلبى وهو واضح محسوب الخلافة الذي لاحقه وسجنه وصادر أمواله، وظلت الفتن والنكبات تتوالى على بنى حزم حتى وفاة أحمد بن سعيد في شهر ذي القعدة سنة ربعمائة واثنين من الهجرة، الموافق ألف وإثني عشر ميلادي، وقد كان لهذه النكبات أثرها السيئ على ابن حزم إذ أنها زادت من حزنه، وكانت أحد أسباب حدته التي تظهر جلية في مصنفاته، وأما عن والدة ابن حزم، فقد صمتت عنها المصادر بأسرها، بل إن ابن حزم نفسه لم يطالع على أدنى إشارة تجاهها في أي من كتبه التي صنفها وكتبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى