مقال

الدكروري يكتب عن الجود بالنفس في سبيل الله

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الجود بالنفس في سبيل الله

بقلم/ محمـــد الدكــــروري

 

ليس الشهيد هو من قتل في ساحات الحرب فقط ولكن من الشهداء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم كثير فمنهم صاحب السل، والحريق، وصاحب الهدم، والمرأة تموت جمعاء وابنها في بطنها، والنفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه، والأصل في هذا ما جاء في الحديث الشريف “ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه” فإذا مات مؤمن في حادث من هذه الحوادث المحزنة المتعبة فهو يلحق عند الله بالشهداء، ولكن المعنى الأكبر والأوسع لهذه الكلمة هو البذل والعطاء والجود بالنفس في سبيل أمر عظيم قد بعث الله تعالى أنبياءه من أجله من لدن آدم إلى رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

 

مرورا بكل الأنبياء صلوات الله وسلاماته عليهم أجمعين، فتبقى صورة الشهيد هو ذلك المضرج بدمائه المستلقي تحت سماء ربه شاخصا بصره الحديد إلى السماء، يرى ما أعد الله تعالى له من نعيم مقيم في دار لا تعب فيها ولا نصب، تحفه الأملاك وتغشى وجهه السكينة والهدوء وتعلو شفتيه ابتسامه الرضا بحكم الله وإن كانت نفسه هي التي قد كتب عليه أن يجود بها، ليس بعد هذا البذل بذل يوصف، فهو الشهيد لا غيره ذلك الذي هبط من العلياء إلى الأرض ليعلم الناس كيف يكون الصدق مع الله تعالى والإخلاص في سبيل العقيدة التي قد تضرج بابها بأنهار من دماء الشجعان ليحفظوها ولتقوم على أقدامها كما نراها اليوم عزيزة أبية لا تنحني سوى للإله الواحد الأحد، فالشهيد شخص رأى أن في الحياة ما يستحق.

 

أن يبذل روحه من أجله، أو لنقول إن الشهيد قد وجد غاية سامية أعلى من حياته فوهب روحه في سبيل تحقيق تلك الغاية، وهذه هي الغاية التي يطمح الإنسان للوصول إليها من الأخلاق والمكارم الرفيعة التي هي المعيار في ارتقاء الأمم ووصولهم إلى أرقى درجات الحضارة والإنسانية، وكذلك فإن من صفات الشهيد أنه إنسان قد تربى على الإيثار فلا تعرف الأثرة طريقها إليها ولا تهتدي لأمثاله من الذين يكون هم الأمة قد استحوذ عليهم وتعلق شغاف قلوبهم، ومن صفاته أنه كريم أبي لا يرضى بالضيف ولا الحيف، فيسعى لأن يكون العدل والسلام هما الصفتان السائدتان في العالم، فلا يسعه أن يقف في صف فيه ظلم ولا أن يأتمر بأمر ظالم يسعى في الأرض ليعيث فيها فسادا، ولكنه يكون الفارس الأبيض، الأبيض فى الخُلق.

 

والصفات السامية الذي يتمنى حضوره كل أهل الأرض من المظلومين والمستضعفين ليلوذوا به ويجدوا لأنفسهم مكانا إلى جانبه يدافع عنهم ويدافعون عنه ويفديهم ويفدونه بالغالي والنفيس، وإن العسكريون منذ أن يصبحوا طلبة فى الكليات التى تعدهم وتؤهلهم ليدافعوا عن الوطن، تكون عقيدتهم الأساسية معتمدة على اعتبار أنفسهم مشاريع شهداء، وهم يحسبونها بطريقة عقلانية مفادها أن من الممكن أن تنتهى حياتهم وهم يقومون بهذه المهمة، والمنطق الذى يحكمهم فى ذلك أن الحياة تهون من أجل الحفاظ على الوطن والأرض والعرض، وإن الشهادة والشهداء لها في الإسلام مكانة وشأن عظيمان، من حيث التكريم الذي يحاط به الشهيد في الدنيا والآخرة، فيخلد اسمه في الدنيا.

 

وتعلو منزلته في الآخرة ويبلغ رتبة في الآخرة لا تنبغي إلا للشهداء أمثاله والأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، وتشهد على هذه المنزلة الرفيعة آيات وأحاديث نبويّة كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي يبين فيه فضل الشهيد ومنزلته عند الله تعالى “للشهيد عند الله ست خصال ” يغفر له فى أول دفعة، ” أى بمعنى دمه الذى يقع على الأرض ” ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوته منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه” فلم ينل الشهيد هذه المنزلة سوى لكرمه على الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى