مقال

الدكروري يكتب عن الصدق المذموم ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الصدق المذموم ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الرابع مع الصدث المذموم، لأنهم ليس عندهم هذه الوسائل التي أمامهم، نقول رويدا سيأتى موعدهم عند الله، فإن الله عز وجل لا يضيع عنده حق وستكون عقوبة هؤلاء أليمة، ولما علم الصالحون خطورة الكذب وأنه ثلث النفاق، وأنه يهدى إلى الفجور، خافوه على أنفسهم، فعندما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال “إنه كان خطب إلي ابنتى رجل من قريش، وقد كان مني إليه شبه الوعد، وأخاف أن ألقى الله بثلث النفاق أشهدكم أني زوّجته” وكان الأئمة يستدلون بحركات الناس وأفعالهم وكلامهم على صدقهم، ولما خرج البخارى يطلب الحديث من رجل فرآه يشير إلى دابته برداء كأن فيه شعيرا وليس فيه شيء رجع وقال “لا آخذ الحديث عمن يكذب على البهائم” وقال الأحنف بن قيس “ما كذبت من يوم أسلمت إلا مرة واحدة” وكان السلف يدققون فيه جدا،

 

ولقد لقى الإمام أحمد رحمه الله، بعض أصحابه فقال كيف حال أولادك؟ فقال الرجل يقبّلون يديك، قال الإمام أحمد “لا تكذب” وإن الكذب له دواع كثيرة ومنها أن يجلب لنفسه مغنما أو يدفع عن نفسه ضررا، أو أن يقول الناس لا يقبلون حديثي ويقبلون عليّ إلا إذا كذبت، ولأني لا أجد من الأخبار الصحيحة ما أطرفهم به ويستظرفون به حديثى، فيستحل الكذب ويأتى بعجائب وغرائب من أجل أن يضحك الناس ويجمعهم حوله، وقد يكون الكذب من أجل التشفي بالخصم فيكذب عليه لأجل تشويه سمعته مثلا وهكذا، وهذا الكذب خلق ذميم من اعتاده صعب عليه جدا أن يتخلص منه، لأن العادة طبع ثانى، إنسان فيه طبع يولد من بطن أمه فيه، والعادة التي يتعود عليها الإنسان طبع ثانى ويصعب جدا تغيير الطباع، وقال بعض السلف “من استحلى رضاع الكذب عسر عليه الفطام”

 

وقال بعضهم لولده “يا بُنى، احذر الكذب فإنه شهى كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه” وقال الأصمعى “قيل لكذاب ما يحملك على الكذب؟ قال “أما إنك لو تغرغرت بمائه ما نسيت حلاوته” وقيل للكذاب هل صدقت قط؟ فقال أخاف أن أقول لا فأصدق” وإن أصل الحياة الطيبة وقاعدة السعادة المنشودة وأساس العاقبة الحسنة في العاجل والآجل يكمن في الصدق مع الله عز وجل ظاهرا وباطنا، قولا وفعلا، طاعة وامتثالا، فعلى هذا المرتكز تتحقق الثمار الطيبة والنتائج المرضية دنيا وأخرى، ويقول الله تعالى فى سورة محمد ” فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا قسما من غنائم خيبر، فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال “ما على هذا اتبعتك يا رسول الله، ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا وأشار إلى حلقه، فأموت فأدخل الجنة، فقال “إن تصدقِ الله يصدقك”

 

ثم نهض إلى قتال العدو، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مقتول، فقال صلى الله عليه وسلم “أهو هو؟” فقالوا نعم، فقال “صدق الله فصدقه” فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم، في جبته ثم دعا له “اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا فى سبيلك قُتل شهِيدا وأنا على ذلك شهِيد” إنه الصدق الذي يعيش به القلب والبدن والظاهر والباطن في رعاية تامة لأوامر الله عز وجل، والاستقامة على منهجه سبحانه وتعالى إنها تربية الباطن باليقظة الدائمة، والحذر التام من الجبار عز وجل، ومن سخطه وأليم عقابه، والسعي إلى رضوانه وجنته فهو سبحانه القائل فى سورة آل عمران ” ويحذركم الله نفسه ” ولهذا فالأمة المسلمة اليوم وهي تحيط بها الفتن من كل جانب، وتعلو حياتها المصائب من كل حدب في أمس الحاجة للصدق مع الله عز وجل، فتحتاج إلى صدق الإيمان والطاعة، وصدق التوجه والإرادة.

 

وصدق العمل والاتباع فى كل شأن، وفي جميع مجالات الحياة، وإن هذا الأصل هو المقوم لعمل الأفراد والمجتمعات نحو الإصلاح والفلاح والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، وهو الذى يقودها إلى الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب، ولهذا فإن الحاكم في حاجة للصدق مع الله عز وجل في سياسة الرعية ومراعاة مصالحهم والقيام على تحقيق شئونهم، وكذلك الرعية في حاجة إلى الصدق مع الله عز وجل، في طاعة الحاكم على المنهج الإسلامي الذى جاء به الشرع المطهر، لتحقيق مجتمع فاضل تتحقق فيه الحياة الطيبة والعيشة الرضية، وهكذا كل مسئول لا يستقيم منهجه ولا يصلح عمله ولا يفلح سعيه إلا إذا صدق مع الله عز وجل وصدق في المنهج الشرعي الذي تقوم عليه أصول مسئوليته، وكان ابتغاء رضوان الله ونيل ما عنده الباعث له في كل تصرفاته، فالقاضي لا يوفق إلى الصواب إلا بصدق تام مع الله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى