مقال

الدكروري يكتب عن المداومة علي الطاعة ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المداومة علي الطاعة ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع المداومة علي الطاعة، وإن من أسباب القبول، ودلائل التوفيق هو إتباع الحسنة بالحسنة، والمداومة على فعل الطاعة، والبعد عن المعصية، وقال بعض السلف إن من عقوبة السيئة، هو السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة، هو الحسنة بعدها، فيا من كان يلح على ربه بالعتق من النار، إياك أن تجر نفسك إليها بفعل السيئات والأوزار، ويا من أكرمه الله بطاعته، إياك والعودة إلى معصيته ومخالفته، ويا من اعتاد حضور المساجد، وعمارة بيوت الله بأنواع الذكر والصلاة، أثبت على الطريق، واستقم على الجادة، وحافظ على الجمع والجماعات، وإياك أن تكون ممن قال الله فيهم فى كتابه الكريم ” وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا” ويا من وفقه الله لقيام الليل، لا تحرم نفسك هذا الفضل في بقية العام، فقد شرع الله لك قيام الليل في جميع الليال.

 

ووعدك عليه بعظيم الأجر وجزيل النوال، وقد سئل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلاة بعد الفريضة؟ فقال صلى الله عليه وسلم “صلاة الليل” رواه مسلم، وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل، فترك قيام الليل” وقد مدح الله عباده المؤمنين بقوله ” تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا” وقال تعالى أيضا ” كانوا قليلا من الليل ما يهجعون” فاحرص على صلاة الليل ولو أن توتر بثلاث ركعات، أو ركعة واحدة على الأقل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ” أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر” رواه أبو داود والترمذى، ويقول الإمام أحمد “من ترك الوتر ثلاث ليال، فهو رجل سوء، لا تقبل شهادته” ويا من ذاق حلاوة الصيام، لا تحرم نفسك منه بقية العام.

 

واعلم أن الله شرع لك صيام الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأفضل الصيام صيام داود، فكان يصوم يوما ويفطر يوما، فإن ضعفت عن هذا، أو شغلت، فلا تغلبن على صيام الست من شوال فإن صيامها مع رمضان، يعدل صيام الدهر كله، فعن أبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” رواه مسلم، ووجه ذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، فيكون رمضان عن عشرة أشهر، والست من شوال عن شهرين، ويا من كان يسأل ربه كل يوم ويدعوه في القنوت وعند الإفطار، لا تحرم نفسك من الدعاء بقية العام، فإن الدعاء هو العبادة، كما قال الله سبحانه وتعالى ” وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين” فعبر عن الدعاء بالعبادة، فقال “عن عبادتي”

 

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “الدعاء هو العبادة” رواه أبو داود والترمذى، وذلك أن الدعاء يجتمع فيه أركان العبادة الثلاثة على أكمل وجه وأتمه من كمال الحب والتعظيم، وكمال الخوف، وكمال الرجاء، فإنك حين ترفع أكف الضراعة إلى ربك، وأنت تعلم يقينا أن الخير كله بيديه، وأن عنده خزائن السموات والأرض، وأنه الرحيم الكريم، ذو الفضل العظيم، يحب الملحين في الدعاء، ويغضب على عبده إن لم يسأله، فإنه يمتلئ قلبك بمحبته، والشعور بعظيم فضله ومنته، كما أنك تتذكر ذنوبك وتفريطك في جنب الله، فتخاف من غضبه عليك، وحرمانه إياك خير ما عنده بسوء ما عندك، وأن يرد دعائك بسبب ذنوبك، وهذا هو كمال الخوف، ثم تتذكر وأنت منكسر بين يديه، رافع أكف الضراعة إليه، أنه حيي كريم، تواب رحيم، واسع الفضل والمغفرة، عظيم المن والإحسان، مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها.

 

متفضل على عباده قبل السؤال، فكيف به بعد السؤال؟ فيحملك ذلك على رجائه بصدق، والطمع بفضله ورحمته، وهذا هو كمال الرجاء، وكما أن الدعاء عبادة من أجل العبادات، فهو من أعظم أسباب جلب المحبوبات، ودفع المكروهات، وهو سلاح المؤمن وعدته في الشدة والرخاء، ولذلك أمر عباده بسؤاله وحضهم عليه، وآجرهم على ذلك، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم “من لم يسأل الله يغضب عليه” فالله تعالى يغضب على عبده إن لم يسأله، لكمال رحمته بعباده، وعلمه بشدة فقرهم وحاجتهم إليه، وكلما ألححت على الله بالدعاء، كنت منه أقرب، وإليه أحب، بخلاف ابن آدم، الذى يضجره كثرة السؤال، ويمله الإلحاح في الطلب، وقد يوفق شخص بإنسان مشفق محب، فإذا سأله شيئا بذله له، ثم إذا سأله ثانية أجابه مع تلكؤ وتردد، ثم إذا سأله ثالثة أجابه مع تكره وتبرم، وقد يسأله في الرابعة فلا يجيبه، أما الله تعالى فإنه يحب الملحين بالدعاء، ولا يمل من كثرة العطاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى