مقال

شغف المصريين بزيارة آل البيت لما لها من مكانة روحية يحلق حولها ملايين من أتباع الطرق الصوفيه

جريدة الاضواء

شغف المصريين بزيارة آل البيت لما لها من مكانة روحية يحلق حولها ملايين من أتباع الطرق الصوفيه

 

كتب حاتم الورداني علام

 

عادت قضية أضرحة آل البيت إلى دائرة النقاش مجدداً، بعد افتتاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مسجد وضريح الإمام الحسين. ومن يذهب لزيارة هذه الأضرحة يرى تعلقاً مدهشاً بأصحابها، إذ يؤمن كثيرٌ من المصريين أن في هذه الأماكن متسعاً للبوح والطلب والرجاء، وما يجعل لها مكانة روحية يتحلق حولها ملايين من أتباع الطرق الصوفية في ربوع المحروسة، حيث الهيام في عالم مسحور ذي طقوس وتقاليد راسخة وغرائبية.

 

 

 

 

على الجهة الأخرى، ثمة وجهة نظر، تتبنى الرواية التاريخية “العلمية”، وتطعن في وصول آل البيت إلى مصر، أحياء كانوا أم أمواتاً، كما هو الحال مع حفيدة النبي محمد السيدة زينب، وحفيده الإمام الحسين. ومع ارتفاع موجة التسلف في المجتمع المصري بنهاية سبعينات القرن الماضي، تطوّرت حالة الرفض “العلمي” إلى وصم ديني شعبوي للصوفية وأتباعها بالابتداع تارة، والشرك تارة أخرى.

 

 

 

بين الحالتين ثمة حاجة لفهم أوسع – من دون تحيّز – للسياق التاريخي والإنساني، الذي دفع بتراكم حالة صوفية طمست معها بعض الوقائع التاريخية في بعض الأحيان، وتماهت مع الخيال الشعبي الذي يقول حاسماً “إن السيدة زينب جاءت إلى مصر عقب مذبحة كربلاء، ثم ألحق بها رأس الحسين الشريف في نهاية عهد الدولة الفاطمية”.

 

 

ماذا يقول التاريخ؟

 

الباحث الأكاديمي في الآثار والحضارة الإسلامية معاذ لافي تحدث لـ”النهار العربي” عن الرواية التاريخية لهذه الأحداث، وبدأ بواقعة جلب رأس الحسين إلى مصر من عسقلان في نهاية عهد الدولة الفاطمية، ويقول: “إن هذه الرواية بها كثير من المبالغة والالتباس”، مشككاً في المصادر التي تقول بأن الرأس دفن في عسقلان من الأساس.

 

ويضيف لافي: “هذه الرواية تقول إنّ الوزير الفاطمي بدر الدين الجمالي شيّد في عهده قبة فوق رأس الحسين بمدينة عسقلان، بعدما نقل من دمشق، وهنا تتجلى إشكالية حول موضعه السابق في دمشق وكيف جُلب، فالروايات هنا ملتبسة وتتحدث عن حفظه في خزائن الدولة الأموية، ثم دفنه من قبل سليمان بن عبد الملك في مقابر المسلمين، حتى نقل إلى عسقلان، ولا يوجد ثمة أدلة علمية على نقله”.

 

وبحسب الرواية التي لا تُقنع لافي، فقد نُقل رأس الحسين إلى القاهرة في احتفال ديني مهيب في عهد الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن رزيك، وعطر ثم لُف في غطاء من الحرير، ودفن في تربة الزعفران، التي دفن بها أسلاف الفاطميين، ومنذ هذا التاريخ أصبح للضريح مكانة خاصة في وجدان المصريين.

 

 

 

أحد زوار ضريح السيدة سكينة بنت الحسين في القاهرة (أرشيفية)

 

 

وعزا الباحث “اختلاق هذه الواقعة، ولجوء الوزير الفاطمي إلى جلب رفات رأس ليست للحسين” إلى “حالة الوهن التي كانت تعتري الدولة الفاطمية آنذاك، فأراد استعادة الشرعية المتآكلة بحدث ديني يلهب المشاعر”، مشيراً إلى أننا أمام رواية “دعائية”، وأنّ “إجماع المؤرخين يشير إلى أن رأس الحسين دفن في البقيع، بجوار قبر السيدة فاطمة الزهراء وابنها الحسن”.

 

 

 

وعن قدوم السيدة زينب حفيدة النبي إلى مصر، يقول الباحث الأكاديمي: “إن الرواية المرجحة تشير إلى أن حفيدة النبي محمد لم تأتِ إلى مصر من الأساس، فبعد مذبحة كربلاء ومثولها أمام يزيد بن معاوية في دمشق، عادت إلى المدينة، وعاشت بقية حياتها هناك حتى الممات، استناداً إلى ترجيح أغلب روايات المؤرخين”.

 

 

 

ويتابع: “موضع ضريح السيدة زينب المعروف حالياً في القاهرة، كان عبارة عن منطقة برك ومستنقعات حتى العصر العثماني، وليس ثمة مصادر تاريخية تشير إلى تاريخ المسجد أو الضريح قبل العصر العثماني”.

 

 

 

 

الرواية الشعبية

 

في مقابل رواية تاريخية يحكمها المنهج “العلمي”، بزغت رواية شعبية صنعت عالماً يحكمه الأولياء في مصر وعلى رأسهم السيدة زينب وشقيقها الإمام الحسين. لا تأبه تلك الرواية بما يقوله التاريخ عن الوجود المادي لرفات آل البيت، فالأمر لدى الصوفية يتجاوز المادة إلى الروح، حتى أن السيدة زينب لها ضريح – من دون رفات – في صعيد مصر غير الذي في العاصمة!

 

 

 

ولسبر أغوار هذه الحالة الصوفية اللافتة، تحدثنا إلى الباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية ومؤلف كتاب “خريدة القاهرة” الدكتور حامد محمد حامد الذي يقول إنّ “ذهنية المريدين لها منطقها الخاص، فالأولياء لهم حياتهم التي لا تنتهي بالوفاة، ففي كلا العالمين تبقى لدى الوليّ قدرات خاصة، إذ تتحرك روحه وتتابع شؤون المريدين وترشدهم روحياً”.

 

 

 

ويتابع حامد حديثه لـ “النهار العربي”: “هناك دلالات في المدونة السنية الرسمية دعمت ظهور هذه النظرة الشعبية للأولياء، يمكن أن نذكر منها واقعة حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) لجثث المشركين في غزوة بدر، وعندما تعجب الصحابة من حديثه للأموات، أخبرهم أنهم يسمعون مثلنا تماماً، وكذلك وصيته بإلقاء السلام على مقابر الموتى في البقيع، ومن هنا يمكن للعقل الصوفي الاتكاء على مثل هذه الشواهد، وبناء تصوره الخاص عن حياة الأولياء التي لا تنتهي بوجودهم المادي”.

 

 

 

 

ويؤمن أتباع الصوفية في مصر أنّ للأولياء ديواناً يجتمعون فيه، وفي رئاساته تتصدر السيدة زينب والحسين، فيلقبها المريدون حفيدة النبي بـ”السيدة الرئيسة” ويعرف الحسين بـ”رئيس مصر”، وبحسب الكاتب المصري محمد المتيم فإن من اختصاصات هذا الديوان “ردّ الشارد والضائع، وتعيين المقامات والمشاهد للمنتقلين، وترقية الأولياء محلّ بعضهم بعضاً، وإدارة شؤون المجاذيب السوّاحين، والشفاعة في قضاء حوائج الخلق، والتربية الباطنية لروح من لا شيخ له، وسُقيا المعارف لنفوس المحبين، ومحاكمة المقصّرين في حق الطريق”.

 

 

 

وسيط مادي

 

يعود حامد ويفنّد مرجعية التعلق بالأولياء، فيقول: “إنّ المقامات أو الأضرحة تقليد موجود في كل الديانات، فثمة حاجة بشرية دائماً إلى وسيط مادي ملموس، ومثال على ذلك الأيقونات التي تعتبر – حسب الإيمان المسيحي – وسيط تواصل بين البشر وصاحب اللوحة المرسومة على الأيقونة، فمن يصلي أمام أيقونة القديس مار جرجس، يتواصل معه على عين الحقيقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى