مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبو القاسم الرافعي القزويني ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبو القاسم الرافعي القزويني ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فلفظ رافعان نسبة إلى رافع، وهو مشهور عند العجم بالإمام رافعان وقال أيضا ثم إنه لا يعرف بنواحي قزوين بلد يقال لها رافع بل هو منسوب إلى جد من أجداده وقد ذكر ابن الملقن أن النسبة إلى بلدة رافعان هي ادعاء لا أصل له، وقال أن الرافعي أعرف بنفسه، وكذا أهل قزوين أعرف ببلادهم وذكر ابن حجر العسقلاني نحو هذا وقال وحكى ابن كثير قولا إنه منسوب إلى أبي رافع مولى النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم، وولد أبو القاسم الرافعي سنة خمسمائة وخمس وخمسين من الهجرة، وقال الذهبي ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وذكر ابن الملقن أن مولده تقريبا سنة ست وخمسين وخمسمائة، وعلل ذلك بأن الرافعي قال في الأربعين التي خرجها في الرحمة أنه روى عن والده حضورا وهو في الثالثة، سنة ثمان وخمسين، فيكون مولد الرافعي على هذا تخمينا سنة ست وخمسين وخمسمائة لكن كانت ولادته في آخر السنة.

 

بما يعني أن السنة التي ولد فيها لم يحسب منها إلا فترة وجيزة من آخرها، كما قال الرافعي في كتاب التدوين كان والدي يقول لي ولدتك بعد ما جاوزت الأربعين، وولدت في أواخر العاشر من شهور سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وكانت ولادته في قزوين، إحدى المدائن بـأصبهان، وينسب الرافعي إلى قزوين، فيقال له القزويني، نسبة إليها وقد ذكرها الرافعي في كتاب التدوين في ذكر أهل العلم بقروين، وقال أصلها بالفارسية “كشوين” ويقال لها بالعربية “قزوين” وقال ابن الملقن وقَزوين هي مدينة معروفة، كذا قاله ابن السمعاني وقال غيره هي مدينة كبيرة في عراق العجم، عند قلاع الإِسماعيلية، ونشأ أبو القاسم الرافعي في كنف والديه، في أسرة تهتم بالعلم، فقد كان والده مدرسا وفقيها له مجلس للتفسير ورواية الحديث بقزوين، وكان المتعلمون يتوافدون عليه للأخذ عنه، فاهتم والده بتعليمه منذ صغره، فتعلم القرآن، والحديث، واللغة العربية، وغيرها.

 

وتفرغ لطلب العلم وتحصيله، في مراحل التعليم الأولى، وقد كان يحضر مجلس أبيه، مع المتعلمين ورواة الحديث، وسمع الحديث عن والده، حينما كان له من العمر ثلاث سنوات، قال الذهبي وغيره قال الرافعي “سمعت من أبي حضورا في الثالثة، سنة ثمان وخمسين وخمسمائة” بالإضافة إلى أن أمه ووالديها كانوا من أهل العلم والفقه والحديث، وتعلم عند أبيه الحديث والتفسير والفقه، وقرأ الحديث بالرواية عن والده سنة خمسمائة وتسع وستين من الهجرة، وقال الذهبي وقرأ على أبيه سنة تسع وستين، وكان والده محمد بن عبد الكريم من كبار علماء قزوين، فدرس وتفقه على يديه، كما قرأ الحديث عند خال والدته أحمد بن إسماعيل الطالقاني، وعند غيرهما من علماء عصره، أخذ القرآن والحديث واللغة، وغيرها من العلوم، حتى أصبح بارعا في علم التفسير والحديث، وأصول الفقه وفروعه، وكان مشتغلا بالعلم، مهتما بالتعليم منذ أن كان في صباه.

 

وقد كانت عادة الناس ذلك الحين تعليم الصغار فيما يسمى بالكتاب، لتعليم القراءة والكتابة، قبل الالتحاق بمجلس تعليم الكبار، وقد كان الرافعي يستمع للحديث بالحضور في مجلس والده، الذي كان يرأس مجلس الحديث، وينقل عنه الرواة وقد تعلم أبو القاسم الرافعي عند والده محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن بن رافع القزويني الرافعي الشافعي، الملقب بأبي الفضل، وكان ملازما لحضور الدروس عند والده، وكان تعليمه عنده أكثر من غيره، فأخذ عنه الفقه، وتعلمه عنده دراسة وشرحا وتحصيلا وتعليقا، ولم يذكر بعض المترجمين له أنه تفقه على غير والده، وقال ابن الملقن لا أعلم أحدا تفقه عليه غيره، لكن ذكر ابن قاضي شهبة أنه تفقه على والده وعلى غيره ولم يكن تعليمه مقصورا على الفقه، بل كان يشمل تحصيل مجموعة من فنون العلوم، فكان هناك درس للفقه، ودرس للتفسير، ودرس للحديث، بالإضافة إلى دروس أخرى في اللغة.

 

وعلم أصول الفقه وغير ذلك، وقد كان للرافعي اهتمام بتحصيل علم الحديث، من خلال قراءة متون الحديث وهي نصوص الحديث، وشروح الحديث، وروايته بالأسانيد، وعلم أصول الحديث ودرايته، وتحصيل أقوال العلماء، وكان يقوم بتلخيص ما تعلمه، وجمع محصلة التعليم في مدونات، أو ما يسمى بـالتعليقات، وهي كتابة ما يمليه الشيخ وجمعه، وقد تسمى أمالي، وكان يطلع على ما كان يكتبه والده من تعليقات أو أمالي جمعها والده أثناء دراسته عند مشائخه، وكان الرافعي يجيد قراءة الدروس بفصاحة، وقرأ على أبيه في سنة تسع وستين وخمسمائة هجرية، وروى عنه وعن عبد الله بن أبي الفتوح بن عمران الفقيه، وحامد ابن محمود الخطيب الرازي، وأبي الكرم علي بن عبد الكريم الهمذاني، وعلي بن عبيد الله الرازي، وأبي سليمان أحمد ابن حسنويه، وعبد العزيز بن الخليل الخليلي، ومحمد بن أبي طالب الضرير.

 

وروى بالإجازة عن الحافظ أبي العلاء العطار، وعن أبي زرعة طاهر المقدسي، وأبي الفتح ابن البطي، وغيرهم ممن أخذ عنهم الرواية بالقراءة، أو السماع، أو حصل منهم على الإجازة، وكان والد الإمام عبد الكريم الرافعي هو محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن بن رافع القزويني الرافعي الشافعي، ويقال له بابويه وهو لقب كان يطلق عليه في صغره، فقد كان من عادة أهل قزوين أنهم يلقبون الصغير بلقب بابا أو بابويه، ومعناه سمي جده، وقد سمي باسم جده، ولكنه كره أن يطلق عليه هذا اللقب، ويلقب بمفتي الشافعية وكنيته أبو الفضل، وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة وخمسمائة هجرية، أو نحوهما، وتوفي أبواه وهو صغير، واحتضنه جده من قبل أمه أبو ذر، وقال عنه الرافعي وكان من عباد الله الصالحين، المشهورين بالصيانة وحسن السيرة، وقام جده بتسليمه إلى الكتاب، وتعليمه وتأديبه ورباه أحسن تربية، بأطيب مكسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى