مقال

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 5″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع التاجر الأمين، وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أن رجلا من بنى إسرائيل سأل بعض بنى إسرائيل أن يسلفه ألف دينار قال ائتني بالشهود أشهدهم عليك قال كفى بالله شهيدا قال فأتني بكفيل قال كفى بالله كفيلا قال فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر وقضى حاجته ثم التمس مركبا يقدم عليه للأجل الذى أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها الدنانير وصحيفة منه إلى صاحبها ثم سد موضعها ثم أتى بها البحر فقال اللهم إنك تعلم أنى تسلفت من فلان ألف دينار وسألني كفيلا فقلت كفى بالله كفيلا فرضى بك وسألني شهودا فقلت كفى بالله شهيدا فرضى بك وقد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذى له فلم أجد مركبا وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركبا يخرج إلى بلده.

 

فخرج الرجل الذى كان سلفه رجاء أن يكون مركبا قد جاء بماله فإذا هو بالخشبة فأخذها لأهله حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الرجل فأتاه بألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذى أتيت فيه فقال هل كنت بعثت إلى بشيء قال نعم قال فإن الله عز وجل قد أدى عنك فانصرف بالألف دينار راشدا” رواه البخاري، وإن من الآداب في الأسواق هو المنع من الصخب، والأصوات المؤذية، والكلام البذيء الذي لا خير فيه فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يبغض كل جعظرى جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بالدنيا جاهل بالآخرة” رواه البيهقي، وعن أبي محمد عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟

 

قال أجل إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن كما جاء في سورة الأحزاب ” يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا” فقيل أنه جاء عنه صلي الله عليه وسلم ” وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح بها أعينا عمياء وآذانا صماء وقلوبا غلفا” رواه البخاري، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصيته “إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا، وأنت إلى نصيبك في الآخرة أحوج، فابدأ بنصيبك من الآخرة وخذه فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا” قال الله تعالى ” ولا تنسي نصيبك من الدنيا” أي لا تنسي في الدنيا نصيبك منها للآخرة فإنها مزرعة الآخرة فقال الله تعالى كما جاء في سورة القصص.

 

” ولا تنسي نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين” وإن مما يُتمم شفقة التاجر على دينه حُسن نيته وعقيدته في ابتداء تجارته، فلينوي بها الاستعفاف عن السؤال، وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال عنهم، واستعانة بما يكسبه على طاعة ربه عز وجل وقياما بكفاية العيال ليكون من جماعة المجاهدين، ولينوي النصح للمؤمنين، وأن يحب لسائر الخلق ما يحب لنفسه، ولينوي اتباع طريق العدل والإحسان في معاملته، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ما يراه في الأسواق، فإذا أضمر هذه العقائد والنيات، كان عاملا في طريق الآخرة، فإن استفاد مالا فهو مزيد مُدّخر في الدنيا، وربح في الآخرة، وألا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وأسواق الآخرة المساجد، ومما ينبغي للتاجر أن يلازمه في الأسواق هو ذكر الله تعالى واشتغاله بالتهليل والتسبيح.

 

فذكر الله تعالى في السوق يُنبه الغافلين وقيل في الأثر “ذاكر الله في الغافلين، كالمقاتل خلف الغازين” ووري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “مَن دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف حسنة” ولعل من أولى ما يذكر به التاجر المسلم في هذا الصدد هو ألا تشغله تجارته عن ذكر الله تعالى، ولا عن الصلاة، ولا عن تلاوة كتاب الله تعالى، ولا عن أداء حق الله في ماله، فقد أثنى الله عز وجل على عباده المؤمنين الذين لا تشغلهم تجارتهم عن طاعته، وحذر أولئك الذين استغرقوا في تجارتهم ومصالحهم، وشغلهم مزيد شفقتهم، وحبهم لأبنائهم، والسعي من أجلهم، عن ذكر ربهم وطاعته فاستحقوا بذلك كمال الخسارة لأنفسهم وأهليهم يوم القيامة لأنهم باعوا العظيم الباقي، بالحقير الفاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى