مقال

الإنقسام البغيض سبب مأساة الشعب الفلسطيني

جريدة الأضواء

الإنقسام البغيض سبب مأساة الشعب الفلسطيني

بقلم / يوسف المقوسي

 

قيل لي: مقالاتك جنازة كلامية، كـأن لا ينقصنا عذاب أو تعذيب. توقف عن اليأس. اشفق على البؤساء ولا تزدهم بؤساً. اترك في هذه العتمة بصيص أمل. لماذا تريد أن نموت قهراً. يكفينا ما نعيشه من بؤس وشقاء.

 

قيل لي أيضاً: يقيننا أن التغيير صعب إن لم يكن مستحيلاً. إننا نعيش يومياً وننتقل من السيء إلى الأسوأ. لدينا شعور دائم بأن الكارثة مستدامة وأن هذا يمحو الذاكرة، أو يقتلها. حسبنا جيداً الأخطاء والكوارث. إن قلوبنا مترعة حزناً ونتمنى أن ننسى “أننا فلسطينيون”. أحصينا السنوات العجاف. إنها متراصة: حروب أهلية، ذئاب حزبية، تكالب سلطوي، ارتهاب وامتهان الخطأ. ثم أننا نعرفهم بالأسماء، ولا نخجل من تسميتهم، ولا يخجلون من عارهم.

 

إنما.. إنما.. إنما.. رجاء، كفْ عن تعداد ذلك. عدْ بنا إلى فلسطين الجميلة. لم تكن فلسطين من قبل قبيحة كانت فيها علل، ولكن أيامها وسنواتها، وتحديداً في السنين الماضية كانت جميلة، حتى إندلع الإنقسام الرديء، وهي خلافات تناسوها وتناسيناها، كي نعبر إلى اطمئنان نسبي، وسلام معقول، وحياة بلا صدمات. ومع أننا فشلنا، فلا بد من “فسحة الأمل” وإلا فإن العيش سيضيق على أعناقنا. اقلع عن تكبيدنا أحزاناً وقرفاً وتسعيراً. إننا نختنق، من مشاهد كل يوم، من جوع يقتات ساحاتنا وساعاتنا وأيامنا. اشفقْ علينا. اكسرْ قلمك، إن كنت لا تكف عن تعذيبنا واغراقنا في قاع اليأس.

 

بلى، تستطيع أن تعود إلى الحقبة الذهبية تلك. فلنستعدْ رايات رُفعت وأحلام نُسجت وسنوات كانت خصبة ومنتجة، وكانت فيها فلسطين رائدة، جميلة واعدة، متقدمة، عدْ إلى تلك السنوات، أيقظ فينا حس ذلك الجمال. أعدْ إلينا قارورة الطيب. ألم تكن فلسطين ملتقى الشعوب الشقيقة والشقية، أعدْ فتح ذاكرتك. تجرأ على الأمل. قلْ لنا هكذا كنا، وباستطاعتنا أن نعبر الكارثة، لنعيد لفلسطين رايتها ومشعلها وفرادتها وطاقتها، على الحلم والانجاز. لم نكن عراة، طوال عقد ونيف. كنا منارة. كنا الصحافة، كنا نجمع الشرق والغرب معاً في يومياتنا.

 

لا تكن عقوقاً أبداً. أعدْ الأحداث البراقة إلى نصابها. دعنا نعيد انتماءنا لفلسطين . إننا نستحق . لقد عانينا وما نزال نعاني . إحلم ودعنا نحلم على الأقل، بأن فلسطين الجميلة، ستتعافى بعد هذه المأساة، وتعود إلى لعب دور كانت سباقة فيه، بحكم تعددها. وانفتاحها ومناخات الحرية التي كانت توفر لرئتيها هواءً نظيفاً وأننا نتلمس الوصول إليها، يوماً بعد يوم.

تجرأ يا أخي على الأمل وابسطه أمامنا. إننا نراهن على الأمل. الأمل وحده يعيدنا إلى فلسطين ، ونستعيد به فلسطين من مأساتها التي لم تكتمل بعد.

 

أصغيت جداً للنصائح، شعرت بعد هذا كله، أنني كالغراب أو كالبوم. أستطيب النواح والبكاء على ما آلت إليه وقائعنا. عرفت أن إحدى محطات التلفزة تروج لفلسطين الجميلة. قلت: عافاهم، لأنهم يحاولون اقناع الوهم بأنه حقيقي. تصيّدوا فترات التألق. افسحوا الفلسطينيين أن يجددوا إيمانهم بفلسطين الجميلة، الرائدة، الناجحة، النموذج.. وأنها ستعود و”أنها شدّة وتزول.

 

لم يخب أملي أبداً. أحسست بقشعريرة لذيذة. عادت إليّ عافية التذوق، عبر سنوات المرارة والجفاف والجفاء والأخطار. قلت: ليس هذا كل ذلك. فتحت الكتب والمراجع. عدت إلى الصور الفوتوغرافية. ظهرت لي القدس تجترح النشوة واللذة والعمق والفن والصمود .

 

“منذ ربع قرن وهم يتركون لنا الفضلات. منذ ربع قرن وهم يجعلون من فلسطين جمعية للصوص الاحتكار والمنافسة. منذ ربع قرن وهم، رأسماليين وحزبيين واقطاعيين عائليين، يستقبروننا روحاً وجسداً، يفرضون الخاوة ويزوّرون الإرادة ويتاجرون بالحشيش وبالسلاح وبالرقيق الأبيض. منذ ربع قرن وهم يخنقوننا. هؤلاء هم إسرائيل”.

 

أعتذر من الذين يصابون بيأس إضافي. ما كان جميلاً منذ أعوام، هو اشعاعات مضادة لنظام فاسد ومنظومة لصوصية.

 

لا يمكن على الاطلاق أن يلتقي الشرق والغرب مع الظلامية الدينية والسياسية.

 

هذة هي فلسطين ماضياً وحاضراً.. ومستقبلها البحث عن موت رحيم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى