مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن نباتة ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن نباتة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فمثلا في قصيدة مدح له يبدأ بذكر سبب وقوفه على الديار ثم يشرع بالغزل ثم يتحدث على الخمر والنساء الجميلات، وهي القصيدة التي يقول في مطلعها لولا معاني السحر من لحظاتها ما طال تردادي إلى أبياتها ولما وقفت على الديار مناديا قلبي المتيّم من ورا حجراتها فكان ابن نباتة يستفيد من الثقافة العربية المتراكمة لديه حول القصيدة القديمة في بناء قصيدته الخاصة به، وهي طريقة تجمع بين تقليد القدماء والتجديد بما يناسب متطلبات عصره، وأما أسلوب الصنعة فقد جاء به ابن نباتة تماشيا مع ذوق عصره الذي بلغ أهله هرم الحضارة وقمتها حتى ظنوا أنهم بلغوا محط الرحال في كل شيء وخصوصا الأدب، فكتب ابن نباتة شعرا في هذا الباب فكان ينبع من تصنع وتكلف شديدين جاء شعره معهما سمجا لا حياة فيه ولا شعور، منها ما يقوله مادحا قام يرنو بمقلة كحلاء علمتني الجنون بالسوداء.

 

رشأ دب في سوالفه النمل فهامت خواطر الشعراء فهذه الأبيات حاول ابن نباتة أن يقلب فيها وجوه الغزل ومعانيه المعروفة بصنعة بديعية لا تنبع من ذات الشاعر أو من تجربة شعوريه قد مر بها، وهذا ما يجعل القارئ ينظر إلى تلك الأبيات على أنها سطور مكتوبة لا شعر فيها إلا ظلال باهتة، وكذلك لا يمكن القول إن هذا غزل، بل هو تكلف كان يتطلبه عصر أولع أهله بشيء اسمه البديع والصنعة البديعية، ولقد ترك الشاعر جمال الدين ابن نباتة المصري إرثا كبيرا من المصنفات والمؤلفات غير ديوانه، منها كتب أشبه بالشروحات كشرحه لرسالة ابن زيدون الجديّة التي أرسلها ابن زيدون لابن جهور، وكذلك كتابه مطلع الفرائد، وكتاب تلطيف المزاج في شعر ابن الحجاج، وكذلك قد أورد الصلاح الصفدي مراسلاته مع ابن نباتة في أحد كتبه وقد بلغت نحوًا من خمسين صفحة، ويمكن تقسيم مؤلفاته قسمين، هما شعري ونثري.

 

فأما آثاره الشعرية فهي كثيرة يذكر منها ديوان ابن نباتة المصري، القطر النباتي، وجلاسة القطر وسوق الرقيق، ونظم السلوك في قصائد الملوك، والسبعة السيّارة، ومختار ديوان ابن الرومي، ومختار ديوان ابن قلاقس، وخبز الشعير، والمأكول المذموم، وأما آثاره النثرية فيذكر منها مطلع الفوائد ومجمع الفرائد، وسجع المطوّق، وسرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، وأبزار الأخبار، وقصائد ابن نباتة المصري، ولقد ترك ابن نباتة ديوانا شعريا ضخما فيه قصائد لا حصر لها، فقد كان من الشعراء المعمرين الذين خلفوا وراءهم إرثا يدل على براعتهم في قول الشعر ونظمه والتفنن فيه من حيث الإتيان بكل جديد لم يُسبقوا إليه، وينبغي العلم أن أسماء قصائد القدماء بمعظمها تكون عنواناتها مأخوذة من البيت الأول للقصيدة، ومن قصائد ابن نباتة هو حشى من نار صدك ذائبة، وإليّ بكأسك الأشهى إليّا.

 

وزحفت بيض الظبا لمّا رنا، ولهفي على غادة إذا أسفرت، وأثنى شذا الروض على فضل السّحب، وصرّفت فعلي في الأسى وقولي، وحيينا فإنا في رضى حبهم متنا، وبمقدمك السعيد قد استنارت، وقالوا وقد زدتني برا وتكرمة، وأخا الخصر الدقيق فدتك روحي، وفديتك أيها الرامي بقوس، وبأبي أنت حلوة الريق لكن، وبرغمي أن أهاديكم بمعنى، ورب مولى مال عني بعد ما، وتهن بعوده عيدا سعيدا، ورأينا تواقيع تاج الزمان، وأصبحت من بعد خمولي الذي، ويا سيدي دعوة من نفسه، وعلوت اسما ومقدارا ومعنى، ويا رسولي لصبي، ويا سيدي عطفا على عصبة، ويقول ابن نباتة المصري مادحا لولا معاني السحر من لحظاتها ما طال تردادي إلى أبياتها ولما وقفت على الديار مناديا قلبي المتيم من ورا حجراتها دار عرفت الوجد منذ أتيتها زمن الوصال فليتني لم آتها حيث الظبا وكواعب وحدائق أنى التفت رتعت في جناتها والراح.

 

هادية السرور إلى الحشا مثل الكواكب في أكف سقاتها وقوله في قصيدة يمدح جناب حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، تدعو منازله سراة وفوده لجناب من في ليلة الإسرا دعي حتى تقلد بالرسالة حافظا ضواع نشر الفضل غير مضيع وتر يقال له غدا قل يستمع يا خير مشفوع وخير مشفع كان الورى في حيرة حتى أتى بجلي أخبار دعاها من يعي ألف الندى حتى بدا في كفه نبع الزلال فيا له من منبع والبدر شق لقربه متهللا والجذع حن لبعده بتفجع والشمس شاهدة بأن غمامة كانت تظلل من سواء المطلع وقوله في قصيدته تهن بعوده عيدا سعيدا، تهن بعوده عيدا سعيدا وعش ما شئت يا كهف البرايا نحرت به جميع عداك فانحر قرونا آخرين من الضحايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى