مقال

الدكروري يكتب عن العلاقة بين الناس.

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن العلاقة بين الناس.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن الشريعة الإسلامية حددت كيف تكون العلاقة بين الناس وكيف تسير الناس في تعاملاتهم وهو علي منهج رسمه الله عز وجل لعباده فإذا تمسكوا به كان لهم الفلاح والنجاح والفوز بالجنه ولذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وتفرقا عليه” وهكذا وضح لنا النبي الكريم صلي الله عليه وسلم فإن الحب هو العلاقة التي تربط الإنسان بالناس من حوله، وهو أيضا ما يساعد على تعاون الناس مع بعضهم البعض عن طريق تقبله لبعضهم البعض وهو العلاقة التي تشكل الأساس الذي تنطلق منها كافة العلاقات في العالم، فمن كره شخصا لم يستطع التفاعل معه نهائيا، لهذا فالحب أو على الأقل تقبل الآخر وعدم كرهه، حتى ولو يكن هناك حب متبادل.

 

قد يبقي العلاقة بين الناس على بر الأمان وفي ظل الصراعات المريرة التي تشهدها البشرية في العصر الحديث فمن الواضح أن الحل هو في حب الإنسان لأخيه الإنسان، وهذا الحب يجب أن ينطلق من منطلق واسع يسع الجميع ويدخل الكل في بوتقة واحدة، بغض النظر عن العرق والجنس واللغة والدين وكل هذه المميزات والمحددات التي تحدد البشر جميعا، إذ يجب على كل البشر أن يدركوا تمام الإدراك أنهم أخوة لبعضهم البعض، فمن الواضح أن الإنسان إن أدرك هذا الأمر سيعمل قدر الإمكان على أن يحب الآخرين، فالأخوة يختلفون ولكنهم لا يتكارهون، كما ويتوجب أن يعي الجميع ضرورة إبعاد العنصريين عن الواجهة، وأن يحاولوا تقزيمهم واحتقارهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك، فالعنصري سينكل بالجميع إذا ما وصل إلى الواجهة.

 

وتمكن من استلام زمام الأمور، وهو إنسان قميء بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالعنصرية توقف الحب وتزيد الغل والحقد والتدابر بين الناس، وتزيد من شيوع المكائد والمؤامرات والمخططات وإضافة إلى ذلك وحتى يضمن البشر نجاتهم، يتوجب عليهم أيضا أن يبعدوا الساسة الذين تحكمهم المصلحة والقوة والجبروت والذين يسعون فقط إلى إدخال أسمائهم في التاريخ فحبنا وتقبلنا للناس كافة لا يعني إطلاقا أن ننكر المحددات، فمثلا يزداد ارتباطنا بشخص معين إن كان مشتركا معنا في شيء معين لأنه يكون قطعا أقرب لنا من غيرنا، مع بقاء احترامنا للغير وهناك أثر العلاقات المشتركة بزيادة المحبة وإن كانت هناك علاقة مشتركة كالدين فهذا مما سيساعد على زيادة الحب بين الناس، فمثلا نحن المسلمون مأمورون بأن نحب بعضنا البعض.

 

بقوله تعالى ” إنما المؤمنون إخوة ” وبمجرد أن يعي المسلمون هذه الآية سيدخل حب المسلمين كافة إلى قلب كل فرد منهم مباشرة وإلى ذلك فبمجرد أيضا أن يتذكر الإنسان المسلم أن الآخر المسلم يعود إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وينتمي إليه، سيدخل حبه إلى قلبه وبشكل مباشر، لأن الرسول محمد هو من ألف وجمع الناس بعضهم مع بعض، وهو من آخى بين الناس، فقد كان يعي صلى الله عليه وسلم حقيقة أن الأخوة بين الناس هي السبيل إلى الحب وأيضا من ضمن ما يشترك به المسلمون مع بعضهم البعض هو كتاب الله تعالى، فالمسلمون جميعهم مؤمنون أن كتاب الله تعالى هو من عند الله تعالى وهو كلامه وبما أنهم مؤمنون بهذا الأمر فهذا كفيل بأن يجعلهم موحدين، فالله تعالى يخاطبهم جميعا بآياته هذا عدا عن مخاطبته .

 

لكافة الناس في مختلف أصقاع العالم وعلى مر الزمان فهذه العناصر كلها هي مما يؤدي إلى حب المسلمين لبعضهم البعض ومما يؤدي إلى وحدتهم إن أدركوا هذه المعاني حق إدراكه، وعندما يتكلم الله عز وجل عن عباده فيقول ” منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون” وحين تحدث عن معاملاتهم بدأ بالإيجابي، وهو قوله تعالي ” من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك” وبعدها ذكَر الفريق الثاني الذي لا يحافظ على الأمانة، وهو ” من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما” ورغم أنه الفريق الأكثر عددا وبالعودة إلى منهج القرآن في التعامل مع حادثة الإفك، وهي قضية حساسة نواجه مثلها كثيرا في حياتنا، فحين نتأمل سورة النور نجد أن معالجة القرآن تركزت في المقام الأول على تفاعل الناس مع الإشاعة وليس على مضمون الإشاعة.

 

فلم يكن الجزء الأكبر من المعالجة القرآنية هو نفي وقوع الحادثة، ونحن نعلم يقينا أنها إفك وافتراء على أمّنا الطاهرة المطهرة بنت الصديق رضي الله عنها لكن أولوية القرآن كانت هي تحذير الناس من مجرد الخوض في مثل هذه الشائعات مستقبلا، حيث قال الله عز وجل ” إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم” ويقول الله عز وجل ناهيا عن هذا الفعل الشنيع وهو الكذب والإفتراء في قوله تعالي ” يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا” وذلك لأن إشاعة الحديث عن الفاحشة هو أخطر مِن الفاحشة ذاتها، على افتراض أنها وقعت، فلو ضعفت نفس إنسان وعصى الله في السر، فإنه يبوء بإثمه وحده، بينما تبقى الصورة العامة للمجتمع ناصعة مشرقة باعثة للأمل، أما تلقي الناس لمثل هذه الأحاديث بألسنتهم وتداولها في مجالسهم.

 

فإن ضرره يطول المجتمع بأسره وذلك لأنه يهيّئ الأجواء للمزيد من الانحرافات، إذ تتعزز الأخيلة والخواطر المريضة التي تزين لصاحبها البحث عن الحرام، كما أن هذا الحديث يعدم ثقَة الناس بعضهم ببعض، ويعزز الريبة والشك، ويقتل مشاعر الحب والخير في نفوسهم، مما يؤدي بالمجتمع إلى الهلاك وإن الإسلام يريد أن يطهر قلوبنا من التصورات السلبية، والأخيِلة المريضة، وألا يكون تفكير الناس نحو أرجلهم بل تنصرف همتهم إلى معالي الأمور، وأن يشغلوا أنفسهم بالعمل الإيجابي المثمر، الذي يجلب لهم خير الدنيا والآخرة وسعادتهما وإن الناس اليوم بحاجة إلى من يبث في نفوسهم الأمل، وييسر لهم طريق الخير بتعزيز استحضار النماذج المشرقة حتى يتخذونها أسوة تبلغهم الطريق، أما الكلام فى زمن الفتن فإنه لن يساهم في أي رفعة أو حضارة، وهو سيؤدي إلى اعتزال المخلصين لمعترك الحياة، والعض على جذع شجرة بالنواجذ، وترك الساحة لأصحاب المبادئ الهدامة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى