مقال

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن المستمثر الوطني ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

فقال الله تعالى في سورة يس ” ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون” وكان العبد الصالح أبو الطيب قد جاوز المائة سنة، وهو ممتع بعقله وقوته وكافة حواسه، حتى أنه سافر ذات مرة مع رفقة له فلما اقتربت السفينة من الشاطئ وثب منها وثبة شديدة، عجز عنها بقية الذين كانوا معه على السفينة فاستغرب بعضهم هذه القوة الجسدية التي منحها الله إياه، مع كبر سنة وشيخوخته، فقال لهم الطبري “هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر” وكما يجب علينا أيضا استثمار المال، فإن المال هو عصب الحياة، وقوام المعاملات الاقتصادية، وهو وسيلة لتبادل المنافع بين الناس، وتقويم المجهود المبذول في العمل والجزاء عليه، حيث يتمكن به الإنسان من إشباع رغبات النفس، وإذا كان الإنسان مولعا بحب المال، وممتحنا به في هذه الحياة الدنيا فهل يتحرى توجيهات الشرع الحكيم في كسبه وإنفاقه؟

 

أم يكون همه هو هو جمع المال وتبذيره دون مراعاة الحلال والحرام في كل ذلك؟ فقال الله تعالى في سورة الكهف ” المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخيرا أملا” وقال تعالى في سورة الفجر ” وتحبون المال حبا جما” وقال جل شأنه في سورة العاديات “وإنه لحب الخير لشديد” وإن المال في الإسلام مال الله، والإنسان نائب عنه في الإشراف عليه، فقال الله تعالى في سورة الحديد ” وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه” والمال يعين المسلم على أداء بعض فرائض الإسلام وتكاليفه وشعائره مثل إيتاء الزكاة وأداء الحج والجهاد في سبيل الله، كما أنه وسيلة من وسائل التضامن والتكافل الاجتماعي مثل إعطاء الصدقات والكفارات والوصايا والوقف والنذور، ويشمل مفهوم المال كل ما له قيمة، وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالمال فنظمت طرق تحصيله ووجهت سبل إنفاقه.

 

وقد تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن المال وجعله نوعين منه ما هو طيب ومنه ما هو خبيث، فقال عليه السلام ” نعم المال الصالح للمرء الصالح” رواه الإمام أحمد، ولقد إهتم به الإسلام من حيث المحافظة عليه وتنميته لتحقيق المنافع التي خُلق من أجلها، ولقد حرّم الله عز وجل اكتناز المال وحبسه عن التداول، فقال تعالي في سورة التوبة ” والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم” وكما حث الإسلام على استثمار المال من طريق شرعي كالتجارة، والزراعة، والصناعة والحرف، والصيد والوظائف، وحرم بعض الطرق الغير الشرعية كالغش، الرشوة، الربا، الاحتكار، السرقة، الظلم، تجارة المخدرات، القمار، تجارة الخمور، وأوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم باستثمار المال حتى لا تأكله الصدقة، فقال فى حديثه الشريف ” من ولى يتيما له مال فليتجر له فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ” رواه الترمذي.

 

وكما أمر الإسلام باستثمار المال في الطرق المشروعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “رحم الله امرءا اكتسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضلا ليوم فقره وحاجته” ولقد اعتبر الله عز وجل كسب المال من الحلال من أعظم الفرائض التي يتقرب بها العبد إلي الله عز وجل فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “طلب الحلال واجب على كل مسلم” رواه الديلمي، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “طلب كسب الحلال فريضة بعد الفريضة” رواه البيهقي، وقال الله تعالى في سورة البقرة “يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين” وكما قال تعالي في سورة الأنفال ” فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم” وكما قال تعالي في سورة النحل ” فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون”

 

ولقد نهى الإسلام عن الكسب الحرام لأنه شؤم وبلاء على صاحبه، فبسببه يقسو القلب، وينطفئ نور الإيمان، ويحل غضب الجبار، ويمنع إجابة الدعاء، بل إن وبال الكسب الحرام يكون على الأمة كلها فبسببه تفشو مساوئ الأخلاق من سرقة وغصب ورشوة وربا وغش واحتكار وتطفيف للكيل والميزان وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس بالباطل، وشيوع الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنه سوف يأتي على الناس زمان يتهاونون فيه في قضية الكسب فلا يدققون ولا يحققون في مكاسبهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام؟” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى