مقال

الدكروري يكتب عن دور العلم والجهل في بناء وهدم الشعوب “جزء 10”

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن دور العلم والجهل في بناء وهدم الشعوب “جزء 10”

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى اله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقى عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فافتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” متفق عليه، وإن المراد بقبض العلم هو موت العلماء، وذهاب الفضلاء والفقهاء فقد جاء في تفسير قوله تعالى فى سورة الرعد “أولم يروا أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب” وعن عطاء رحمه الله قال”هو موت العلماء، وذهاب الفضلاء، وفقهاء الأرض وخيار أهلها” وقال ابن عباس رضي الله عنهما “لا يزال عالم يموت، وأثر للحق يندرس، حتى يكثر أهل الجهل، ويرفع العلم” فاتقوا الله أيها المسلمون واحرصوا على تعلم العلم الشرعي، وتعلموا له السكينة والوقار.

 

وهذبوا به أخلاقكم، وقوّموا به أفعالكم وأقوالكم، فلقد رفع الله تعالى شأن العلم وأهله، وبيّن مكانتهم، ورفع منزلتهم، ولم يأمر الله تعالى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فأهل العلم هم الأحياء، وسائر الناس أموات، ولقد منع الله سبحانه وتعالى المساواة بين العالم والجاهل لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة، فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون، ويسعى الإسلام بقرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبكل تعاليمه وتوجيهاته، إلى تكملة تحرير العقل البشرى من كل ما هو مُسلط عليه، ومعطل له عن الإنتاج النافع، وهنا يحرره نهائيا من سلطان اتباع الجماهير الغافلة، من عامة الناس، الذين كثيرا ما يسيرون وراء الآباء، أو وراء الكبراء، أو وراء الأساتذة والشيوخ، الذين اعتبروا أنهم يفكرون لهم.

 

وأنهم كأنما أعطوا عقولهم إجازة طويلة، ليس عليهم فيها أن يفكروا، ولا أن يناقشوا، ولا أن يسألوا، ولا أن يضيئوا هذه الشمعة وقتا ما ليستفيدوا من نورها، فمن العجب العجاب، أن ترى بعض الناس فى مجتمعاتنا تغلق عقولها، ولا تسمح لها بأن تنفتح يوما للعمل والتفكير لأنه قد أراح نفسه من ذلك، حيث قد حدد موقفه مقدما تحديدا دقيقا صارما، وهو أن يكون مع الناس، مع الأكثرية، إن قالوا فى أمر نعم، قال نعم، وإن قالوا فى أمر،لا، قال بكل بساطة هو أيضا لا، أما هو كإنسان له عقله وفكره وثقافته ودينه ورسالته فليس له فى الحقيقة موقف، وهذا أمر مؤسف حقا أن يتنازل الناس عن تفكيرهم، وعن شخصيتهم، وعن مسؤوليتهم، مع أن كل إنسان مسؤول عن نفسه، ليس أحد مسؤولا عنه، وهذا ما حذر منه نبى الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، فقال.

 

“لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا” بهذا ارتفع الإسلام بموقف الإنسان، بحيث يكون له موقفه المحدد، ويكون له قراره الخاص، ويكون له رأيه المعلن، ليس تابعا لفرد ولا مجموعة، بحيث تفقده عقله ورشده، وتفكر عوضا عنه، فتتخذ له قراره هو، ولا يتخذه لنفسه، وهذا ما يشيع وينتشر فى البلاد التى تفقد فيها الحريات العامة، وبعض الناس فيها مسوقون إلى ما يراد لهم، لا إلى ما يريدون هم لأنفسهم، فكلهم غدوا إمّعات، مع ما يريده الفرعون، وليس مع ما يراه عقله هو، يُكذب الأنبياء إذا كذبهم السلطان، ويصدّق الشيطان إذا صدّق الناس الشيطان، وتقوم دعوة الإسلام، وتربية الإسلام، وتشريع الإسلام، على أن يعيش الناس كما خلقهم الله، بعقولهم، ومواهبهم وضمائرهم.

 

فقد أنزل الله كتابه، وبعث رسله، وخلق كونه، ومنح قوانينه، لقوم يعقلون، ولأولى الألباب، فهذا هو الطفيل ابن عمرو الدوسي يرفض التبعية للمجتمع ويستجيب لصوت العقل، فيحكي عن نفسه فيقول كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، فقدمت مكة، فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا إنك امرؤ شاعر، سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه وينهوني أن أسمع منه حتى قلت والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني، قال فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفا، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائما في المسجد، فقمت قريبا منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فقلت في نفسي والله إن هذا للعجز.

 

وإني امرؤ ثبت ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها، والله لأسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به، فقلت يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته، فدخلت معه بيته، فقلت يا محمد إن قومك جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي دينك فعرض علي الإسلام، فأسلمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى