مقال

الدكروري يكتب الحكمة من شرعية النكاح ” جزء 9″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب الحكمة من شرعية النكاح ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وعن أبي العجفاء السلمي قال “خطبنا عمر يوما، فقال ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشرة أوقية” وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال “سألت السيدة عائشة رضي الله عنها كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشّا، قالت أتدري ما النش؟ قلت لا، قالت نصف أوقية، فذلك خمس مئة درهم” وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال “لما تزوج علي بفاطمة رضي الله عنهما وأراد أن يدخل بها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “أعطها شيئا” قال ما عندي شيء، قال “أين درعك الحطمية؟ فأعطاها درعه”

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإِسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة، فخطبها، فقالت إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم، فكان صداق ما بينهما” ويتبين لنا مما سبقنا من أحاديث شريفة أن السنة في عدم التغالي في الصداق، بل إن خيره أيسره، وأفضله ما كان موافقا صداق نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته الأطهار، وهو ما يعادل خمس مائة درهم، هذا بالنسبة للقادر المستطيع، أما الفقير الضعيف الحال فالأولى أن يكون أقل من ذلك بكثير، فقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وطلب إليه لما علم رقة حاله أن يُصدقها درعه الحُطميّة، كما زوّج عليه الصلاة والسلام المرأة التي وهبت نفسها له من الصحابي الفقير، وجعل صداقها ما يحفظ من القرآن، وتزوجت أم سليم أبا طلحة، وجعلا صداق ما بينهما إسلامه.

 

كما تزوج عبدالرحمن بن عوف بزنة نواة من ذهب، وقال الخطابي النواة اسم لقدر معروف عندهم، فسّروها بخمسة دراهم من ذهب، وقال أبو عبيد إن أبا عبيدة دفع خمسة دراهم تسمى نواة، كما تسمى الأربعون درهما أوقية، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الذي أصدق الأنصارية أربع أواق فضة، وحاله لا تساعده على ذلك، وقال له “كأنما تنحتون الفضة من عُرض هذا الجبل” وقال ابن القيم تضمنت الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله، وأن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره، وأن المرأة إذا رضيت بعلم الزوج وحفظه للقرآن أو بعضه مهرها جاز ذلك، بل إن رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج وقراءته القرآن، كان من أفضل المهور وأنفعها وأجلها، وقال بعضهم لا يكون الصداق إلا مالا، ولا يكون منافع أخرى، ثم جعلوا لأقلة حدا، فقال أبو حنيفة، لا يكون أقل من عشرة دراهم.

 

وقال مالك لا يكون أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم، وهي أقوال لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب، وقد زوّج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين، وتزوج ابن عوف على خمسة دراهم، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى إثبات المقادير إلا من جهة صاحب الشرع، ونقل الحافظ ابن حجر قول ابن المنذر تعليقا على حديث “التمس ولو خاتما من حديد” فقال فيه رد على من زعم أن أقل المهر عشرة دراهم، وكذا من قال ربع دينار، قال لأن خاتما من حديد لا يساوي ذلك، ثم نقل رحمه الله قول ابن العربي من المالكية “لا شك أن خاتم الحديد لا يساوي ربع دينار” وأما ما يُروى من قصة المرأة التي ردت على عمر بن الخطاب، حين دعا إلى عدم التغالي في المهور، بقوله تعالى “وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا” ونصّها عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس.

 

فحمد الله وأثنى عليه، وقال ألا لا تغالوا في صُدق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سيق إليه، إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل، فعرضت له امرأة من قريش، فقالت يا أمير المؤمنين، كتاب الله أحق أن يُتبّع أو قولك؟ قال بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟ قالت نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صُدق النساء، والله عز وجل يقول”وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا” فقال عمر كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس إني نهيتكم أن تغالوا في صُدق النساء، ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له، فهذه القصة غير ثابتة عن عمر رضي الله عنه، لأن في سندها علتين فالأولى هو الانقطاع، لأن الشعبي لم يدرك عمر، حيث ولد لست خلون من خلافته، والثانية هو الضعف، من أجل مجالد بن سعيد، إذا ضعّفه البخاري والنسائي والدارقطني وابن عدي وابن معين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى