مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ذو النون المصري ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ذو النون المصري ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقال ذو النون ظننت أنك قتلت مسلما بريئا من ذلك، أو صدر منك كبيرة أخرى، قال الزاهد أما علمت أن من اختلط مع الناس لا يقدر على أن يحترز عن شىء، إذ الاختلاط مع الناس رأس كل خطيئة، فقلت بلغ زهدك إلى غاية الحد ونهايته، ويستكمل ذو النون قصة توبته قائلا كنت سائرا فى طريق، إذ رأيت طائرا فاقد البصر، قاعدا على غصن شجرة، فتعجبت من حاله أنه ماذا يأكل؟ وكيف يتعيش؟ كنت متفكرا فى أمره، إذ نزل من الغصن، ووقع على الأرض، ونبش، فطلعت قصعتان إحداهما من الذهب وفيها السمسم، والأخرى من الفضة وفيها ماء الورد، التقط الطائر حبات السمسم حتى شبع، وشرب من ماء الورد، وطار إلى مكانه من الغصن، واختفت القصعتان فى الأرض، فحصل لى حالة عظيمة، وتحققت توبتى، ووصلت من التوكل إلى الغاية القصوى، وكونه صوفيا حقا، يخشى ذو النون من فساد النفس، ولا يرضى بغير الله بديلا.

 

يرى أن الخوف من الذنوب دليلك على أنك فى الطريق الصحيح، وأن علامة غضب الحق على شخص خوفه من الفقر، يشيد بصحبة أبو بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه، للرسول صلى الله عليه وسلم ويقول إنه لم يخالفه فى الدين والدنيا، لذا سماه الله صاحبا، ويروى النيسابورى فى تذكرة الأولياء، كيف استدعى المتوكل فى عام مائتان وأربع وأربعين من الهجرة، ذا النون المصري وروى أنه لما ترقى أمره وعظم شأنه، وحسده بعض الناس، وسعوا به إلى المتوكل، فاستحضره المتوكل إلى بغداد، فلما وصل إلى باب الخليفة، قال تعلمت الإسلام فى الطريق من عجوز، والفتوة من سقاء، قيل وكيف ذلك؟ قال لما رأيت حشمة الخليفة، وكثرة الحجاب والغلمان على باب الخليفة كدت أتغير، قالت عجوز انظروا إلى هذا الشخص، فإنه يذهب إلى الحبس، والحال أنه والذى أمر بحبسه عبدان ومملوكان لسيد واحد جل جلاله، وعز شأنه.

 

فإن لم يؤلمه الله لا يقدر أحد على أن يؤلمه، وأيضا استقبلنى سقاء، وناولنى شربة ماء، وأنا أشرت إلى صاحب لى بإعطاء شىء، فلم يقبل السقاء، وقال هو أسير محبوس مقيد، وليس من الفتوة أخذ شىء منه، ثم برز مرسوم الخليفة ليحبس، فبقى فى الحبس أربعون يوما، وكانت أخت بشر الحافى ترسل له كل يوم رغيفا تذهب به إلى باب الحبس وتعطى البواب ليوصله إليه، فلما طلع من الحبس كان هنالك أربعون رغيفا إذ ما أكل شيئا، فقيل إن أخت بشر لم تبعث إليك إلا وجها حلالا؟ قال نعم ولكن وصلنى على يد ليست نظيفة يعنى يد السجان، وقيل كان شاب ينكر الصوفية، فأعطاه ذو النون خاتما، وأمره بأن يذهب به إلى السوق، ويرهنه بدرهم، فإذا هو لم يثمن درهما، فقال له الشيخ اذهب به إلى سوق الجوهرية وهي الصاغة فى الوقت الحالى، وانظر ماذا يقولون، فإذا بهم ثمنوه بألف دينار، فرجع الشاب إلى الشيخ، وأخبره الحال، فقال الشيخ معرفتك بالصوفية.

 

كمعرفة غير الجوهرية بهذا الخاتم، ويقول ذو النون الفساد يدخل فى السالك من ستة أشياء، الأول ضعف النية بعمل الآخرة، الثانى الحرص فى الشهوات، الثالث طول الأمل مع قرب الأجل، الرابع اختيار رضا الخلق على رضا الخالق، الخامس متابعة الهوى والبدعة وترك السنة والشريعة، السادس أن يجعل زلات اللسان حجة له وينسى مناقبهم ويظهر الفساد بذلك بين الخلق، وتعرض ذو النون إلى شتى صنوف الاختبار والابتلاء، صغرت أم كبرت، فقيل أنه أراد أن يمتحن جارية امتحنته، بحسب ما راوه بأنه كان سائرا بجوار ساقية أو نهر، يقول انتهيت إلى منظرة عالية هناك، فتوضأت ورجعت، فوقع نظرى على المنظرة، فرأيت جارية فى غاية الحسن والجمال، أردت امتحانها، فقلت لمن أنت يا جارية؟ قالت يا ذا النون، لما رأيتك بادئ الرأى ظننتك مجنونا، فلما صرت قربنا ظننتك عالما، ثم لما صرت أقرب ظننتك عارفا، والآن تبين الحال.

 

وانكشف الأمر فما أنت بمجنون ولا عالم ولا عارف، قلت كيف هذا الشأن؟ قالت فلو كنت مجنونا ما توضأت، ولو كنت عالما ما نظرت إلى غير محرمك، ولو كنت عارفا ما نظرت إلى غير الله، وما التفت إلى ما سوى الحق جل وعلا، قالت هذا الكلام، وغابت عن النظر، علمت أنها ما كانت من البشر، ومن الصوفية من غلب عليه هذا الفن، وهو إسداء الوصايا والنصائح ومن هؤلاء ذو النون المصري، وهو رجل نشأ في أخميم، وتوفي بالجيزة بمصر وكان ذو النون من أهل العلم، ولكن غلب عليه التصوف فشاعت عنه أمور دعت الناس إلى اتهامه بالزندقة، وسعى به قوم إلى المتوكل فاستحضره من مصر إلى بغداد، فسيق مقيدا مغلولا، وسافر معه جماعة من أهل مصر يشهدون عليه، فلما دخل على المتوكل وعظه فبكى ورده مكرما، وعاد خصومه خاسئين، وقال إسحق بن إبراهيم السرخسي سمعت ذا النون وفي يده الغل، وفي رجله القيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى