مقال

الدكروري يكتب عن الحلال والحرام في الشريعة الإسلامية ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الحلال والحرام في الشريعة الإسلامية ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــروري

 

وإذا تكلمنا عن الحلال والحرام في البيع والشراء فسوف نتكلم عن الغش بكل صوه وألوانه فهناك الغش في البضائع، وتزوير تواريخها لتمديد صلاحيتها، وبيعت أدوات تجميل فاسدة، يسبب فسادها نوعا من السرطان، والحوادث في هذا الشأن أكبر من أن تحصى، ومثل تزوير أختام الدولة، والدمغات، والطوابع، والعلامات، والتوقيعات، لتشغيل من لا يستحق الشغل، والتصديق على البيوعات المزيفة، وصلاحية البنايات غير الخاضعة لقوانين السلامة، فلا ضير أن نسمع بين الفينة والأخرى سقوط بناية هنا، وعمارة هناك، وكل ذلك نتيجة الغش والتزوير، ومثل تزوير الشهادات الطبية، لقضاء مصالح شخصية، على حساب مصالح الناس، ومثل التزوير في بيان حال الخطيب، وأنه على دين وخلق، ووظيفة محترمة، وهو ربما لا يصلي ولا عمل له، وتزيين حال المخطوبة، وأنها على مستوى عال من الصلاح، ومهارة تدبير البيت.

 

وواقعها على عكس ذلك، وهو ما يفسر نسبة الطلاق التي تزيد كل يوم عن ما قبله، ومثل تزوير درجات الطلاب من أجل تمكينهم من النجاح في امتحانات قد تكون مصيرية بالنسبة للمواطنين، كامتحانات الطب، الذى يحتاج حنكة كبيرة، وخبرة واسعة، لما له من علاقة بأرواح المرضى، ومصائر حياة العباد، ومثل تزوير المظاهر الخارجية، بألبسة مستعارة، ومساحيق تخفي الحقيقة، سمعة ورياء، ولقد قالت امرأة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم “إن لى ضرة، فهل عليّ جناح أن أتشبع من مال زوجى بما لم يعطني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور” متفق عليه، وعن سعيد بن المسيب قال، قدم معاوية بن أبى سفيان المدينة، فخطبنا، وأخرج كبة من شعر، فقال”ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه، فسماه الزور”متفق عليه.

 

وفي الصحيحين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعن الله الواصلة والمستوصلة” والواصلة هي التي تصل الشعر بغيره، والمستوصلة هي التي تطلب فعل ذلك، فالزور وصف للشيء على خلاف ما هو عليه فعلا، عن طريق تسويته وتحسينه، ليحسب أنه صدق، ولقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن شهادة الزوركبيرة من الكبائر، فقال الإمام القرطبى “شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل، من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام، أو تحريم حلال، فلا شيء من الكبائر أعظم ضررا منها، ولا أكثر فسادا بعد الشرك بالله” وشاهد الزور قد ارتكب عظائم كثيرة، منها الكذب والافتراء، فقال الله تعالى فى كتابه العزيز ” إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب” وإن من علا مات المنافق أنه إذا حدث كذب، وأنه بشهادة الزور قد ظلم المشهود ضده، حيث اعتدى بشهادته على ماله، أو عرضه، وربما على روحه.

 

وأيضا ظلم المشهود له، حيث ساق ليه المال الحرام، فأخذه بشهادته، فوجبت له النار، وقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “من قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها” رواه البخارى، وأيضا أباح ما حرم الله تعالى، من عصمة المال والدم والعرض، ولذلك كانت عقوبة شاهد الزور في الإسلام شديدة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” فما زال يكررها، حتى قلنا ليته سكت” رواه البخارى، ولقد شدد الإسلام في تحريم شهادة الزور أيما تشديد، حتى قرنت في القرآن الكريم بالشرك بالله، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به” وقال القرطبى”هذه الآية تضمنت الوعيد على الشهادة بالزور، وينبغى للحاكم إذا عثر على الشاهد بالزور أن يعزره، وينادى عليه ليعرف، لئلا يغتر بشهادته احد.

 

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “عدلت شهادة الزور الشرك بالله، وقرأ “واجتنبوا قول الزور” فالشهادة إذا تحولت عن وظيفتها، صارت سندا للباطل، ومضللة للقضاة، فيستعان بها على الظلم، ويقع الحكم بغير حق، ومن ثم رفضت شهادة من عرف بسوء خلق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غِمر أى حقد، على أخيه” رواه أبى داود، بل بلغ التشديد حد المنع من مجرد حضور الجمع الذي يشهد فيه بالزور، ومخالطة من يعرفون به، فقال أبو حيان في قول الله تعالى “لا يشهدون الزور ” وقيل أن المعنى هو لا يحضرون الزور، ويعضده ما ذهب إليه ابن كثير في قول الله تعالى ” وإذا مروا باللغو مروا كراما” فقال “أى لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به، مروا ولم يتدنسوا منه بشيء” فكيف بهذا الزمان الذى يشهد فيه الناس دون أن تطلب شهادتهم، استسهالا لها، وتهوينا من شأنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى