مقال

الدكروري يكتب عن منزلة العهد من الإيمان ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن منزلة العهد من الإيمان ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” وروى ابن أبي حاتم أن رجلا أتى عبدالله بن مسعود فقال اعهد إليّ، فقال له إذا سمعت الله يقول “يا أيها الذين آمنوا” فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة وجوب الوفاء بالعهود التي شرعها الله تعالى وهذا المعنى تزخر به سورة المائدة في كثير من آياتها، ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم قدوة في الوفاء بالعهد، فها هو يأمر عليّ بن أبي طالب أن يبيت في فراشه ليلةَ الهجرة كي يردّ الأمانات إلى أهلها، أوليس هو القائل “أدى الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك؟” وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاهد سهيل بن عمرو في الحديبية، فيأتي أبو جندل بن سهيل بن عمرو مستصرخا مستنصرا، فيرده رسول الله وفاء بالعهد، وها هو أبو بصير يأتي إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلح الحديبية.

 

فترسل قريش في عقبه رجلين يأخذانه، فقالا يا محمد، رده إلينا بالعهد الذي بيننا وبينك، فرده النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وفاء بعهده، غير أن أبا بصير صلى الله عليه وسلم مكنه الله من أحد الرجلين فقتله، وفر الآخر عائدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فلما رآه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال إن هذا رأى ذعرا، فإذا بأبي بصير يأتي ثانية قائلا يا نبي الله، قد أوفى الله ذمتك ونجاني الله منهم، فيقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ويل أمه مسعر حرب” وهنا علم أبو بصير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة راده إلى قريش، وفاء بالعهد الذي بينه وبينهم، فهرب أبو بصير إلى منطقة تسمى سيف البحر، عند البحر الأحمر، ومكث بها ولحق به أبو جندل بن سهيل وكل من أسلم من قريش فجعلوا يرهبون قريشا، ويأخذون قوافلها، حتى استغاثت برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهؤلاء النفر باللحاق به في المدينة.

 

وبذلك يكون النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قد ضرب لنا المثل الأعلى في الوفاء بعهده، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم المثَل الأعلى في الالتزام بالأخلاق العالية، والوفاء في بيعهم وشرائهم، بل فتحوا بلادا بأكملها بحُسن خلقهم، فمن المعلوم لمن قرؤوا التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية العطرة أن أخلاق الصحابة كانت تجذب الناس للدخول في الإسلام، كما جرى وحدث بالفعل في بلاد السند، حيث فتحت هذه البلاد دونما أن يُراق دم، بل فتحت بأخلاق الصحابة، من وفاء وأمانة وصدق، إذ كان الناس يرونهم، فيعجبون بأخلاقهم، فيسألون عنهم مَن هؤلاء؟ فيقال لهم هؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيسألون ومن محمد هذا؟ فيقال لهم هذا نبي جاء بدعوة الإسلام، فيقبلون على دين الله أفواجا، فأين المسلمون اليوم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم؟ فما أحوجنا إلى تاجر وَفيّ، وصانع وفيّ، ومعلم وفيّ، ومسؤول وفيّ.

 

كي ترجع لنا مكانتنا بين الأمم، وكي يعود لنا عزنا وشرفنا، فنحن نعاهد الناس، ونلتزم بأمر الله الذي يقول لنا ولرسوله صلى الله عليه وسلم فى سورة الأنفال ” وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين” وقد أثبت تاريخنا هذه الحقيقة، بينما جُبلت القوى المعادية للإسلام على خيانة العهود، واعتبارها مرحلية، ولقد أخضعت الجيوش الإسلامية أقواما مختلفة منحها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الأمان، وأبقى على ملكيتها لخيراتها، لقاء تعويض مادي أو مالي متفاوت في أهميته، وذلك مثل قبيلة خيبر، وسكان البحرين من المجوس واليهود الذين اعتنق أميرهم الإسلام، وسكان شمالي الجزيرة العربية من النصارى في دومة وأيلة، ومن اليهود في أبروح ومكوع، وغير ذلك، كما عقد النبى صلى الله عليه وسلم مع رهبان دير سانت كاترين في سيناء ميثاقا يمنحهم بموجبه حرية كبيرة.

 

وأيضا كما يقول بوازار عقد النبي محمد صلى الله عليه وسلم اتفاقا مع نصارى نجران، اعتبره فقهاء المسلمين نموذجا للتنظيمات الصالحة للتطبيق على الخاضعين للإسلام، ولقد أصدر النبي صلى الله عليه وسلم لدى زيارة أحد الوفود قرارا يتعهد فيه بحماية سكان مدينتهم وجوارها، وتأمينهم على نفوسهم وممتلكاتهم، وضمان حريتهم في التمسك بعقيدتهم وعبادتهم، وقد شملت الحماية والضمان جميع السكان، في حين ظلت مسؤولية الانتهاكات مسؤولية فردية يؤاخذ عليها المجرم وحده، فلا يؤخذ عليها أي معاهد بجريرة آخر، فضلا عن أن يؤخذ قوم بجريرة أفراد مغرضين كما يفعل النظام العالمي الجديد، وكانت هناك أحكام خاصة تمنع تدخل المسلمين في النظام الكهنوتي النصراني، وتحظر الإساءة إلى أهل الذمة، وتحظر كل شكل من أشكال الاضطهاد، وهذا الاعتراف لا نقوله نحن، وإنما يقوله الكاتب مارسيل بوازار، في كتابه “إنسانيات الإسلام”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى