مقال

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

بعد القضاء علي الدولة الأموية، جاءت الدولة العباسية أو الخلافة العباسية أو دولة بني العباس وهو الاسم الذي يطلق على ثالث خلافة إسلامية في التاريخ، وثاني السلالات الحاكمة الإسلامية، وقد استطاع العباسيون أن يزيحوا بني أمية من دربهم ويستفردوا بالخلافة، وقد قضوا على تلك السلالة الحاكمة، وطاردوا أبناءها حتى قضوا على أغلبهم، ولم ينجو منهم إلا من لجأ إلى الأندلس، وكان من ضمنهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، فاستولى على شبه الجزيرة الأيبيرية، وظلت تحت حكمة حتي عام ألف وتسعة وعشرون للميلاد، وقد أسس الدولة العباسية رجال من سلالة العباس بن عبد المطلب، وهو أصغر أعمام رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم وقد اعتمد العباسيون في تأسيس دولتهم على الفرس الناقمين على الأمويين حيث استبعدوهم من مناصب الدولة والمراكز الكبرى، بينما اختص العرب بها.

كذلك استمال العباسيون الشيعة للمساعدة على زعزعة كيان الدولة الأموية، وقد نقل العباسيون عاصمة الدولة، بعد نجاح ثورتهم، من دمشق، إلى الكوفة، ثم الأنبار، قبل أن يقوموا بتشييد مدينة بغداد لتكون عاصمة لهم، والتي ازدهرت طيلة ثلاثة قرون من الزمن، وأصبحت أكبر مدن العالم وأجملها، وحاضرة العلوم والفنون، لكن نجمها أخذ بالأفول مع بداية غروب شمس الدولة العباسية ككل، ونقل المعتصم عاصمة الدولة من بغداد إلى سامراء التي اطلق عليها سر من رأى، ثم أعيدت إلى بغداد بعد أربعين سنة، وعرفت الدولة العباسية عصرها الذهبي خلال عهدي هارون الرشيد وابنه المأمون إذ نشطت الحركة العلمية وازدهرت ترجمة كتب العلوم الإغريقية والهندية والفهلوية إلى اللغة العربية على يد السريان والفرس والروم من أهالي الدولة العباسية، وعمل المسلمون على تطوير تلك العلوم، وابتكروا عدة اختراعات مفيدة.

كما ازدهرت الفلسفة الإسلامية، واكتمل تدوين المذاهب الفقهية الكبرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية عند أهل السنة، والجعفرية والزيدية عند الشيعة، وبرزت الكثير من الأعمال الأدبية والفنية، مثل كتاب ألف ليلة وليلة وغيرها، وأسهم أهل الكتاب من المسيحيين واليهود والصابئة في هذه النهضة الحضارية، وبرز منهم علماء وأدباء وفلاسفة كبار، وتنوّعت الأسباب التي أدّت لانهيار الدولة العباسية، ومن أبرزها بروز حركات شعوبية ودينية مختلفة في هذا العصر فقد أدت النزعة الشعوبية إلى تفضيل الشعوب غير العربية على العرب، وقام جدل طويل بين طرفي النزاع، وانتصر لكل فريق أبناؤه، وإلى جانب الشعوبية السياسية، تكونت فرق دينية متعددة عارضت الحكم العباسي، وكان محور الخلاف بين هذه الفرق وبين الحكام العباسيين هو الخلافة أو إمامة المسلمين، وكان لكل جماعة منهم مبادئها الخاصة، ونظامها الخاص.

وشعاراتها وطريقتها في الدعوة إلى هذه المبادئ الهادفة لتحقيق أهدافها في إقامة الحكم الذي تريد، وقد جعلت هذه الفرق الناس طوائف وأحزابا، وأصبحت المجتمعات العباسية ميادين تتصارع فيها الآراء وتتناقض، فوسع ذلك من الخلاف السياسي بين مواطني الدولة العبّاسية، وساعد على تصدع الوحدة العقائدية التي هي أساس الوحدة السياسية، ومن العوامل الداخلية التي شجعت على انتشار الحركات الانفصالية، هو اتساع رقعة الدولة العباسية، وذلك أن بُعد العاصمة، والمسافة المترامية بين أجزاء الدولة، وصعوبة المواصلات في ذلك الزمن، جعل الولاة في البلاد النائية يتجاوزون سلطاتهم، ويستقلون بشؤون ولاياتهم، دون أن يخشوا الجيوش القادمة من عاصمة الخلافة لإخماد حركتهم الانفصالية، والتي لم تكن تصل إلا بعد فوات الأوان، ومن أبرز الحركات الانفصالية عن الدولة العباسية هي حركة الأدارسة وحركة الأغالبة، والحركة الفاطمية.

وقد انتهى الحكم العباسي في بغداد سنة الف ومائتان وثماني وخمسون للميلاد، عندما أقدم هولاكو خان على نهب وحرق المدينة، وقتل أغلب سكانها بما فيهم الخليفة وأبناؤه، وقد انتقل من بقي على قيد الحياة من بني العباس إلى القاهرة بعد تدمير بغداد، حيث أقاموا الخلافة مجددا في سنة ألف ومائتان وواحد وستون للميلاد، وبحلول هذا الوقت كان الخليفة قد أصبح مجرد رمز لوحدة الدولة الإسلامية دينيا، أما في الواقع فإن سلاطين المماليك كانوا هم الحكام الفعليين للدولة، وكان محيي الخلافة العباسية في القاهرة هو السلطان الظاهر بيبرس، الذي رغب أن يكون الحاكم المسلم الذي يعيد الحياة إلى هذه الخلافة، على أن يكون مقرها القاهرة، ليجعل منها سندا للسلطنة المملوكية، التي كانت بِحاجة ماسة إلى دعم روحي يجعلها مهيبة الجانب، فعلى الرغم من الانتصارات التي حققتها ضد المغول كانت في حاجة إلى ذلك الدعم الروحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى