مقال

الدكروري يكتب عن خلق الوفاء بالعهد في واقعنا المعاصر ” جزء 1″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خلق الوفاء بالعهد في واقعنا المعاصر ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الوفاء بالعهد مع الله عز وجل وهو يتمثل في توحيده وعبادته وشكره بالأقوال والأفعال، وحُسن معاملة عياله والصدق معهم، فبين الإنسان وبين الله سبحانه وتعالى عهد عظيم مقدس وهو أن يعبده وحده لا يشرك به شيئا، فانظر في نفسك أين أنت من هذا الوفاء ؟ ماذا قدمت له ؟ هل عبدت الله حق العبادة وحافظت على عقيدتك وإيمانك وما افترضه عليك من صلاة وصيام وزكاة وحج وسائر العبادات والطاعات ؟ أم تركت نفسك للشبهات والشهوات وغرتك دنياك بما فيها من أموال وبنين وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث فجعلتها إلها من دون الله ؟ فإن الوفاء مع الله يتمثل في امتثال المأمورات واجتناب المنهيات كما جاء في نداءات المؤمنين من خلال القرآن الكريم، وروى ابن أبي حاتم أن رجلا أتى عبدالله بن مسعود فقال اعهد إليّ، فقال له إذا سمعت الله يقول “يا أيها الذين آمنوا” فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به.

 

أو شر ينهى عنه، وحينما نقرأ سير الصحابة رضي الله عنهم نجدهم قد عاهدوا الله ورسوله ببذل الأموال والأنفس من أجل إعلاء كلمة الله وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويقول الإمام ابن حجر في قصة أنس بن النضر من الفوائد هو جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها، وأن طلب الشهادة في الجهاد لا يتناوله النهي عن الإلقاء إلى التهلكة، وفيه فضيلة ظاهرة لأنس بن النضر وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين، وأما عن الوفاء بالعهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بايع وعاهد الصحابة الكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصرة الإسلام في اليسر والعسر والمنشط والمكره، وقال النووي فيه التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرا.

 

وإن من شدة التزامهم بالعهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقط سوط أحدهم من يده على الأرض، فما يسأل أحدا يناوله إياه حتى لا ينقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عاهدناه على الإسلام وإقامة الشعائر ونصرة دينه والدفاع عنه فهل أوفينا بعهدنا ووعدنا؟ وأما عن الوفاء لدين الله عز وجل، وهو أن من أجل صور الوفاء للدين الثبات على تعاليمه والتمسك بأوامره ونواهيه مهما حصل والبذل في سبيله، والأمثلة على هذا كثيرة، فهذا إبراهيم عليه السلام توقد له النار العظيمة ويلقى فيها فلا يزحزحه ذلك عن دينه، وهذا نبى الله موسى عليه السلام يقف له فرعون ببطشه وظلمه فلا يرده ذلك عن الوفاء لدينه، وهذا خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه يوم أن ظن أن عمه أبو طالب قد اضطرب في أمره وضعف عن نصرته قال تلك الكلمات التي ملؤها الوفاء لهذا الدين.

 

يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته، وهذا بلال رضي الله عنه يوضع على رمال مكة الحارة في عز الصيف وتوضع الصخرة العظيمة على صدره ويعذب على أن يتزحزح عن هذا الدين فيرفض ويظل وفيا لهذا الدين، وهذا خباب بن الأرت يوقد له الفحم المستعر ثم يلقوه عليه ويضع رجل منهم قدمه على صدره لتثبيته فما يطفئ ذلك الجمر إلا ما خرج من دهن جلده فلا يتزحزح ويظل وفيا لهذا الدين، فعجبا لقوم من بني الإسلام جعلوا الوفاء لهذا الدين أمرا مزاجيا، فهم إن كان أحدهم في راحة وطمأنينة وسعة رزق قام وصلى وحرص على الوفاء لهذا الدين أما إن كان والعياذ بالله مريضا أو به بلاء أو محنة ترك الوفاء للدين فتجده نسي الوفاء للدين فيترك الصلاة ويرتكب المنكرات، وأمثال هذا الصنف من الناس وصفهم الله بقوله تعالى فى سورة الحج.

 

“ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابة خير أطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين” وأما عن الوفاء للوالدين، فالوالدان قد تحملا المشقة في الإنجاب والرعاية والتربية والتعليم وإن من باب الوفاء رد لهما الجميل الذي قدماه لنا صغارا، فهما في حاجة إليه كبارا فهذا حبيبكم صلى الله عليه وسلم يحن شوقا ووفاء إلى أمه وعيناه تزرفان، ولم يقتصر وفاؤه صلى الله عليه وسلم على أمه الحقيقية فقط بل شمل أمه من الرضاعة ففي يوم من الأيام كان النبي عليه الصلاة السلام في الجعرانة يقسم الغنائم التي وضعت أمامه، وبينما هو منشغل بتقسيم الغنائم إذا به يلمح أمه من الرضاعة فيخلع رداءه ويضعه أرضا ويجلسها عليه، ويقول إنها أمي التي أرضعتني، فالوفاء يعظم مع الوالدين فقد تعبا لراحتك، وسهرا لنومك، وكدح الوالد لعيشك، وحملتك أمك كرها ووضعتك كرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى