مقال

الدكروري يكتب عن المنهج بالشريعة الإسلامية “جزء 5”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المنهج بالشريعة الإسلامية “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وهو منهج يقوم على الحرية الدينية في أرحب مفاهيمها، فما عليه إلا بيان الحق للناس وتذكيرهم به، ومن شاء منهم فليؤمن، ومن شاء فليكفر، حيث قال تعالى فى سورة الكهف ” وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” وحرية الاعتقاد هذه التي صانها الإسلام، لم تصنها الشرائع الوضعية التي تغتال في ظلها الحرية الدينية، وتحرم الدعوة إلى الأديان، وتهدم المساجد ودور العبادة، وتفرض فيها العقائد والمذاهب، ويرتبط بحرية الاعتقاد حق آخر من الحقوق التي صانها الإسلام، وهو حقوق الأقليات، فما دام الإسلام قد احترم حرية العقيدة فلا بد أن يحمى أصحاب الديانات الأخرى الذين يعيشون في كنفه، وقد تحقق ذلك بالفعل، وأكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة أهل الكتاب، والبر بهم، والتسامح معهم، ومراعاة حقوقهم، ومن هنا فقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم المسلم وغير المسلم سواء في حرمة الدم واستحقاق الحياة.

 

فقال في الحديث الذي رواه البخاري، عن عمرو بن العاص “من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة” وفى رواية أخرى “من قتل قتيلا من أهل الذمة حرّم الله عليه الجنة” رواه النسائي، وقد شهد أحد البطارقة على سماحة الإسلام مع أهل الذمة بقوله “إن العرب الذين مكنهم الزمن من السيطرة على العالم يعاملوننا بعدالة لا حدود لها” وتمتد قائمة حقوق الإنسان في الإسلام، فنجد حرية الرأي والتعبير، والحرية في الإسلام أصل عام يمتد إلى كل مجالات الحياة، وخاصة حرية التفكير والرأي، فقد فتح الإسلام مجالا رحبا للتفكير وإعمال العقل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحترم حرية الرأى، ويشجع عليها، وكان حين يرى الرأي، ويرى بعض أصحابه خلافه، يرجع عن رأيه إلى رأى من يخالفه، بعد أن يتبين وجه المصلحة فيه، وخير مثال على ذلك ما حدث في غزوة بدر حين نزل صلى الله عليه وسلم منزلا، وأشار الحباب بن المنذر بغيره.

 

فقال صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي، وبادر بتنفيذ ما أشار به الحباب، ولم يستبد برأيه صلى الله عليه وسلم رغم أنه السيد المطاع، والإمام المقتدى به، فإن هذا الموقف ليعين على نشر الحرية، ورفع رايتها، وإعلاء صورتها، ومد جذورها، ويشجع على الآراء الناضجة كي تنبت وتترعرع، وإن للقيم فوائد جمة فهي التي تشكل شخصية المسلم المتزنة وتوحد ذاته وتقوي إرادته، والذي لا تهذبه القيم متذبذب الأخلاق مشتت النفس، ينتابه الكثير من الصراعات، فقال الله تعالى فى سورة الملك ” أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أمن يمشى سويا على صراط مستقيم” فإن القيم تحفظ الأمن، وتقي من الشرور في المجتمع لأن تأثيرها أعظم من تأثيرِ القوانين والعقوبات، فالقيم المتأصلة في النفس تكون أكثر قدرة على منع الأخطاء من العقوبة والقانون، وإن أصحاب القيم يؤدون أعمالهم بفعالية وإتقان، وسوء سلوك القائمين على العمل راجع إلى افتقادهم.

 

لقيم الإيمان والإخلاص والشعور بالواجب والمسؤولية، وإن القيم تجعل للإنسان قيمة ومنزلة ولحياته طعما، وتزداد ثقة الناسِ به، فقال الله تعالى فى سورة الأنعام ” ولكل درجات مما عملوا” وقال سبحانه وتعالى ” أم نجعل المتقين كالفجار” وعندما تنشأ القيم مع الفرد من إيمانه وعقيدته وخشيته لله ينمو مع نمو جسده فكر نقي وخلق قويم وسلوك سوي، وتغدو القيم ثابتة في نفسه راسخة في فؤاده، لا تتبدل بتبدل المصالح والأهواء كما هو في المجتمعات المادية، ويصغر ما عداها من القيم الأرضية الدنيوية، فقال الله تعالى فى سورة المؤمنون ” ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن” ولم يحفل التاريخ بخيرة الناس وعظمائهم الذين زكى الله نفوسهم وطهر قلوبهم مثلما حفل به تاريخنا الإسلامي، فلم تعمى الأبصار عنهم؟ وإن أخطر ما يهدد القيم ويزعزع بنيانها القدوات السيئة المزينة بالألقاب من الوضيعين والوضيعات.

 

 

الذين يفتقد الواحد منهم إلى التحلي بأبجديات الآداب والأخلاق الإسلامية، وهذه القدوات السيئة تعمل على خلخلة القيم وتشكل نفوسا فارغة من القيم سابحة في الضيق، كما تروج له القنوات الفضائية مِن عري فاضح وسلوك منحط وتحلل خاطئ يحطم القيم ويدمر الأخلاق، وهى دعوة صريحة لنبذ الفضيلة، ثم يأتي حق الكفاية من مقومات الحياة، وحق الكفاية في الإسلام من الحقوق التي اختص بها الإسلام، ولم تتطرق إليها الأنظمة الوضعية، ولا مواثيق حقوق الإنسان، وهو حق إسلامي مقدس، ويعني أن يحصل كل فرد يعيش في كنف الدولة الإسلامية على كفايته من مقومات الحياة بحيث يعيش عيشة كريمة، ويتحقق له المستوى اللائق للمعيشة، وهو يختلف عن حد الكفاف الذي تحدثت عنه النظم الوضيعة، والذي يعنى الحد الأدنى لمعيشة الإنسان، وحق الكفاية هذا يتحقق بالعمل، فإذا عجز الفرد فالزكاة، فإذا عجزت الزكاة عن سد كفاية المحتاجين تأتى ميزانية الدولة لسداد هذه الكفاية.

 

وقد عبّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله “مَن ترك دينا أو ضياعا، أي أولادا صغارا ضائعين لا مال لهم فإليّ وعليّ” رواه البخاري، ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم مؤكدا هذا الحق “ليس بمؤمن من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم” رواه الطبراني، وقوله صلى الله عليه وسلم “إن الاشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلّ طعام عيالهم في المدينة حملوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم بالسوية، فهُم مني، وأنا منهم” رواه البخاري، ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى