مقال

الدكروري يكتب عن اتقوا الله ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن اتقوا الله ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

والتقوي هي نبض القرآن وخير لباس، وهي التي وعد الله تعالى أهلها في آيه من التنزيل بأن يعلمهم الله، ويكف عنهم كيد الأعداء، والنجاة من النار ووراثة الجنة دار الأخيار وأن يجعل لهم فرقانا ويكفر عنهم السيئات فضلا واحتسابا، وأن يجعل لهم مخرجا من كل ضيق، وأن يهديهم لأقوم الطريق، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ويؤمنهم مما يخافون، ويجعل لهم من أمرهم يسرا ويعظم لهم أجرا وغير ذلك من الوعود الكريمة والهباة الحسنة الجزيلة العظيمة، وأما الحرص على ما ينفع من أمور الدنيا والأخرى فإنه مقتضى الفطرة السليمة ومقصد الشريعة الربانية الحكيمة، ومطلب العقل الصحيح، ووسيلة عمارة الدنيا، وبلوغ الدرجات العالية مع الاحتساب في الأخرى، وكم في صريح الكتاب وصحيح السنة والمأثور عن السلف الصالح من الأمة من النصوص الخاصة على صالح العمل، والمبشرة لأهله بواسع الفضل، وجزيل المثوبة من الله عز وجل.

 

فهلا تأملتم تخفيف الله تعالى على الصالحين من عباده في نوافل العبادات، من أجل عملهم في مهام الأمة ومصالحها العامة من التجارات، والجهاد في سبيل الله، لهداية البريات وعذره سبحانه للمرضى العاجزين عن هذه المهمات، وحضه تعالى للجميع في سائر الأحوال على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وحضه على الإحسان إلى ذوي الحاجات، وعده لذلك قرضا حسنا يعطي الله أهله عظيم الأجور، ويغفر له ويرحمهم لرحمتهم مستحق الرحمة طمعا في رحمة رب الأرض والسموات، ولقد كان أنبياء الله تعالي ورسله عليهم الصلاة والسلام مع علو مقامهم وشريف وظائفهم في طليعة من اشتغل بشريف المهن، طلبا لطيب الكسب والحلال من الرزق الحسن، فكان نبي الله نوح وزكريا عليهما الصلاة والسلام ممن يحسن النجارة وكان يوسف عليه السلام يحسن تدبير الاقتصاد والتجارة، وكان داوود يحسن الصناعة، وكان إدريس عليه السلام خياطا عليهم.

 

وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم وسلم جميعا يحسن رعية الغنم ولما تعاطى التجارة ربح وغنم، وكم في المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من حث الأمة على أنواع من أسباب الرزق، وحثها على الإحسان والتقوى والصدق ولقد عد صلى الله عليه وسلم طلب الرزق في هذه الأمور مع التقوى مما يعدل الجهاد في سبيل الله وأن الإنفاق على النفس والأهل من ذلك الكسب يعدل أو أفضل من النفقة في سبيل الله، فتحلوا بالتقوى تفلحوا واعملوا صالحا تربحوا، واطلبوا الحلال من الكسب، والطيب من الرزق تستغنوا عن منة الخلق وتؤجروا، وأنفقوا من طيبات ما كسبتم تحسنوا دوما، وقد قال شيخ الإسلام ابن كثير فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وقد استشرف الصحابة إلى معرفة أكرم الناس بالميزان الدنيوي، فوزن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالميزان الأخروي.

 

الذي يعطي الحقائق على وجهها ويزن الرجال بأعماله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال “أكرمهم عند الله أتقاهم” قالوا ليس عن هذا نسألك ” قال فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله” قالوا ليس عن هذا نسألك، قال “فعن معادن العرب تسألونني” قالوا نعم، قال “فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا ” رواه البخاري، وهذا الربط بين الخيرية وبين التقوى هو الميزان الذي يجب علينا كمسلمين أن نزن به الناس على ظواهرهم ونحسبهم والله حسيبهم، فمن ابتغى غيره فقد خاض في عفن الجاهلية ولم يرد إلا الحياة الدنيا، وإن ختام الآية الكريمة هو منهج رباني فيقول تعالي والله ” عليم خبير” أي عليم بكم، خبير بأموركم، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، ويفضل من يشاء على من يشاء، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله.

 

والمعنى، ولستم أنتم من تعطون الناس مقاماتهم عند الله، بل يختار وينزل من رحمته على من يشاء من عباده، فقريش لما أرسل للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا, وإذا كان الله يرسل بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة، ويعنون الوليد بن المغيرة المخزومي, وكان يسمى ريحانة قريش, هذا من مكة, ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من أهل الطائف, والناس ينظرون بمنظار المصلحة والوجاهة والعطاء المشبوه من الأموال، والله ينظر إلى الناس بمنظار الحق والعدل والإنصاف، فأين قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الوليد بن المغيرة، فإن الله عز وجل كما قسم الأرزاق قسم المناصب والكرامات والرحمات، وليس لنا والحال هذه إلا أن نسأل الله بعمل صالح أن يختارنا بفضله وكرمه وإن يتولانا فيمن تولى، وإن الرسالة والدين إنما وجد ليكون علما تحمله صدور الرجال وعملا تتحرك به أجساد الأخيار، فالتنظير بلا عمل خرافة تقع في أذهان من حرمه الله من الخير والعمل بلا هدى من الله ضلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى