مقال

الدكروري يكتب عن التحسيس علي المشاعر”جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن التحسيس علي المشاعر”جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقال النووى رحمه الله، فإنه سمع فى العاده الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما يسمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن، ولما دخل رجل على الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وذكر له عن رجل شيئا، قال له إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية ” إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا” وإن كنت صادقا، فأنت من أهل هذه الآية “هماز مشاء بنميم” وإن شئت عفونا عنك، فقال العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه، فلو حرص كل منا على التثبت والتبين قبل إصدار الأحكام، أو قبل بث ونشر كل ما يصل إليه، لفقدت الإشاعة أثرها، ولأحجم مروجو الإشاعات عن نشرها بين الناس، ومنها البعد عن الغيبة، بل إن الإنسان مطالب بأن يرد عن عرض أخيه حيث يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ” من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة” ومنها اجتناب اللمز، حيث يقول تعالى ” ولا تلمزوا أنفسكم”

 

أي لا يعب بعضكم على بعض ويكون اللمز بالقول والهمز بالفعل ونهى القرآن الكريم عنهما، حيث يقول تعالى ” ويل لكل همزة لمزة ” وهم الذين يطعنون في الناس، ويعيبون فيهم ويدعونهم بما يكرهون من الأسماء والصفات، وهذا تحذير من همز ولمز الناس ووعد بهلاك شديد لمن يقع في هذا، ومنها عدم السخرية من الناس ، فالمؤمن الحق لا يسخر، فقد نهانا ديننا عن كل ما يؤذي الآخرين، فمن صفات المسلم ألا يكون مؤذيا لأحد، ولا يأتي منه إلا الخير للناس، ونفع الإنسانية، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كل ما يؤذي المشاعر قولا أو فعلا أو إشارة، فكان صلى الله عليه وسلم يبث في الإنسان ما يرفع شأنه وفضله في أعين الناس، وهكذا فإن موضوع القيم ممتد في حياة المسلمين فلا يقوم مجتمع مسلم تقي نقي حتى تحتل فيه القيم منزلتها الرفيعة في سلوك الفرد والأمة والمجتمع، وإن من القيم هو بر الوالدين.

 

والإنفاق، والصدق، والوفاء، وإعمار الأرض، واستثمار الوقت، وإتقان العمل، والإنصاف، والشعور بالمسؤولية، وأداء الفرائض، الامتناع عن المحرمات، وإن من قيم الإسلام الخالدة هو الصبر، وحب الخير، وجهاد النفس والهوى والشهوة، ومن القيم أيضا الحياء، والعفة، والاستقامة، والفضيلة، الحجاب، وإن القيم تدفع المسلم وإن كان في ضائقة مالية، إلى إغاثة الملهوف وإطعامِ الجائع، وتجد المسلم المؤمن يمتنع عن الرشوة والسرقة، والمرأة تحافظ على كرامتها وتصون عفتها وتنأى بنفسها عن مواطن الفتنة والشبهة ولا تستجيب للدعاوى المغرضة والمضللة، ذلك أن الإيمان هو النبع الفيّاض الذي يرسخ القيم وتبنى به المجتمعات ويوفر لها الصلاح والفلاح والأمن والتنمية، فقد قال رسول الله “إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم” فيحرص المسلم على أن يراعي كبره وعجزه أثناء التعامل معه.

 

ويتذكر أنه وإن كان قويا الآن فسيعود يوما إلى ضعفه الذي كان عليه، ولا يتكبر عليه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إهانة الشيخ الكبير تدل على ما في القلب من نفاق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث عنده اثنان بأمر ما بدأ بأكبرهما سنا، وما ذلك إلا ليدل على أن الإسلام أمر باحترام الكبير، وتتعدد حقوق الكبار في السن وطرق الرحمة والرأفة بهم، وما ذلك إلا من الإحسان لهم، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وإن من الحقوق هو توقيره واحترامه بأن يكون له مكانة في النفوس، ومنزلة في قلوب من هم حوله، وقد كان ذلك من سمت الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، وهو من الواجبات التي أوجبها النبي، إضافة إلى السعي في خدمتهم والعمل على راحتهم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل عليهم رجل كبير في السن، فلم يسرع أحد إلى أن يوسع له في المجلس “ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويُوقر كبيرنا”

 

وإن من الحقوق هو طيب المعاملة وذلك بحُسن الكلام والخطاب، وإكرام التعامل معه، والبدء بالسلام عليه وذلك من خلال عدم انتظار بدئه هو بالسلام في حال لقائه احتراما وتقديرا له، ويكون ذلك بالأدب في الخطاب والوقار، مع مراعاة درجة الصوت التي تناسب سمعه وحاله، دون التعدي في ذلك، وأيضا إحسان الخطاب من خلال مناداته بأحب الألقاب إليه، ويدل هذا على مكانته وقدره في المجتمع الذي يعيش فيه، وكذلك تقديمه في كل شيء، سواء كان طعاما، أو شرابا، أو مجلسا، أو خطابا، أو دخولا، أو خروجا، ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال فقال هي النخلة قال فذكرت ذلك لعمر قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إليَّ من كذا وكذا”

 

فقد امتنع ابن عمر رضى الله عنهما عن الحديث، لوجود من هو أكبر منه سنا في المجلس، وإن من الحقوق للكبير هو الدعاء له بطول العمر والبركة فيه، والزيادة في طاعة الله، والتوفيق والسداد، وكل ما هو خير، وأن يرزقه الله حسن الخاتمة، وكذلك مراعاة ضعفه ووضعه، فقد كان في يوم من الأيام قوي الجسم، بهي المنظر، ثم بدأ بالكهولة والضعف، فتغير طبعه وخارت قواه، فأصبحت حركته صعبة وقليلة وبطيئة، فيجب مراعاة وضعه وما هو عليه، وهذه هى القيم الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى