مقال

الدكروري يكتب عن عرفة يوم الميثاق

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عرفة يوم الميثاق

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه لا تطمئن القلوب وتأنس، وتنشرح وتنبسط إلا بذكر الله عز وجل، فإذا أصابك همّ أو غمّ من مرض أو دين أو أزمة أو غير ذلك من مصائب الدنيا فأكثر من قول لا إله إلا الله، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وأكثر من قول إنا لله وإنا إليه راجعون، فذكر الله يُذهب الهم، ويُزيل الغم، ومن مفاتيح الفرج هو الاستغفار، فأكثروا من الاستغفار، فإن الاستغفار سبب لتفريج الهموم والغموم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم”إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا” رواه أحمد، فهذه الأحاديث تدل على فضل يوم عرفة وأنه من الأيام الفاضلة التي تجاب فيها الدعوات وتقال العثرات، فعلى المسلم أن يحرص على العمل الصالح لا سيما في هذا اليوم العظيم من ذكر ودعاء وقراءة وصلاة وصدقة، لعله أن يحظى من الله تعالى بالمغفرة والعتق من النار، فقد ذكر ابن رجب رحمه الله في اللطائف.

 

أن العتق من النار عام لجميع المسلمين، وعلى المسلم أن يحرص على صيام يوم عرفة، فقد خصه النبي صلى الله عليه وسلم بمزيد عناية، حيث خصه من بين أيام العشر، وبيّن ما رُتب على صيامه من الفضل العظيم، فقد ورد عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله سُئل عن صوم يوم عرفة فقال “يكفر السنة الماضية والسنة القابلة” رواه مسلم، وهذا إنما يستحب لغير الحاج، وأما الحاج فلا يسن له صيام هذا اليوم، وفطره أفضل، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وقف بعرفة مفطرا، فعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن ناسا اختلفوا عندها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم هو صائم، وقال بعضهم ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه” رواه البخاري ومسلم، ولأن المفطر أقوى على الدعاء من الصائم لا سيما في شدة الحر، وللدعاء يوم عرفة مزية على غيره.

 

فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال “خير الدعاءِ دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” رواه مالك والترمذى، وقال ابن عبد البر وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره، وفي الحديث أيضا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، وفيه أيضا أن أفضل الذكر لا إله إلا الله، فإعلم أن لهذه الأيام المباركة فضائل ليست لغيرها من سائر الأيام حيث فضلها رب الأنام ونبينا الهمام صلى الله عليه وسلم وهاك بيانها من محكم القران ومن سنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، ومن فضائل تلك الأيام الفاضلة أن الله تعالى أقسم بها وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين والخلف.

 

وقال ابن كثير في تفسيره وهو الصحيح، وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر” رواه النسائى، فإنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره، وأن هذه الأيام أيام ذكر وتسبيح وتهليل وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا، ولقد كشف لنا النبي صلى الله عليه وسلم الغطاء عن فضائل تلك الأيام فأخبرنا سيد الأنام صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا وأن العمل فيها أفضل من غيرها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء” رواه البخارى.

 

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال “كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكرت له الأعمال فقال ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر، قالوا يا رسول الله، الجهاد في سبيل الله؟ فأكبره، فقال ولا الجهاد إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه” رواه أحمد، وأن فيها يوم عرفة، حيث أن هذه الأيام تشتمل على يوم هو افضل أيام الدنيا على الإطلاق ألا وهو يوم عرفة يوم العتق من النار يوم المباهاة يوم تقال العثرات وترفع الدرجات ويتجلى فيه رب الأرض والسماوات عقبة بن عامر رضي الله عنه، وأَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب” رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، و من فضائل العشر أن فيها يوم النحر و لذلك اليوم فضائل عظيمة، فعن عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال.

 

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر، قال ثور، هو اليوم الثاني” رواه أبو داود، وفي هذه العشر تجتمع أمهات الطاعات وأمهات الفرائض فهي إعلان لوحدانية الله تعالى و هذا هو الركن الأول من أركان الإسلام و فيها تقام الصلوات وتخرج الصدقات ويحج بيت رب الأرض والسماوات فقال الحافظ ابن حجر في الفتح “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره” وإن من بين تلك الفضائل أنها العشر التي اتمها الله تعالى لكليمه موسى عليه السلام، وأن فيها اليوم المشهود الذي اقسم به الرب المعبود، وأن فيها اليوم الذي أتم الله فيه النعمة وأكمل فيه الدين، حيث أن من بركات ذلك اليوم أن الله تعالى أتم فيه النعمة وأكمل فيه الدين فهو يوم من أيام ذلك الدين القيم، وأن فيها اليوم الذي اخذ الله تعالى الميثاق على بني ادم.

 

وهو يوم الميثاق الذي أخذ على كافة بني البشر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا، وأن الآية تدل على أن الله قد ألهم البشرية كلها بأنه هو ربها وإلهها، وأنه ليس لها رب ولا إله غيره، وأنه أخذ عليها ميثاقا بذلك “قالوا بلى شهدنا” فلم يعد يقبل منهم أن يقولوا يوم القيامة نسينا وكنا غافلين عن هذا الميثاق أو يحتجوا بأن آباءهم أشركوا وأنهم اتبعوهم في شركهم لأنهم من ذريتهم، فشرك الآباء لا يبرر للأبناء أن يحيدوا عن ميثاق الفطرة لأنه عهد بينهم وبين الله ولا دخل للآباء فيه، وإن كان الله من رحمته لا يحاسب الناس بميثاق الفطرة وحده، وإنما يحاسبهم بعد تذكرتهم على يد الرسل، فسبحانه وتعالى القائل فى سورة النساء” رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى