مقال

الدكروري يكتب عن وقفه في حياة الرسول

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن وقفه في حياة الرسول

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

في يوم التاسع والعشرين من شهر صفر للعام الحادي عشر للهجرة شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في البقيع فلما رجع أخذه صداع في رأسه، واتقدت حرارة جسمه، فمرض أحد عشر يوما، وثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض، وكان يحب أن يكون آخر عهده في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، فأذن له زوجاته رضي الله عنهن بذلك فانتقل إلى حجرة عائشة، وفي يوم الأربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة اشتد وجعه حتى أغمي عليه، وكانوا يهرقون عليه قرب الماء حتى أحس بخفة فدخل المسجد والناس مجتمعون حوله فقال صلى الله عليه وسلم “لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا” ثم قال صلى الله عليه وسلم “من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، ثم نزل وصلى الظهر، وأوصى بالأنصار خيرا”

 

وفي يوم الخميس أوصى بإخراج اليهود والنصارى والمشركين من جزيرة العرب، وفي يومي السبت والأحد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الظهر، وأبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس، ثم بدأ الاحتضار برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسندته السيدة عائشة رضى الله عنها إلى صدرها فدخل عبد الرحمن بن أبى بكر أخوها وبيده سواك فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فقالت عائشة رضى الله عنها آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فأخذته فطيبته بريقها ليجمع الله ريقها بريقه صلى الله عليه وسلم في آخر لحظات الدنيا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم ارحمني واغفر لي، وألحقني بالرفيق الأعلى” ثم قبضت روحه صلى الله عليه وسلم في ضحى يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة للهجرة.

 

فلما مات رسول الله تفاقمت الأحزان وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها، وقال أنس بن مالك رضى الله عنه ما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما مات قالت فاطمة الزهراء رضى الله عنها يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه، مَن جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، ووقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله، ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات، وليس من حب الرسول صلى الله عليه وسلم أن نقدم قولا على قوله.

 

وليس من حب الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتخلى عن دين الإسلام في الاعتقاد أو العمل أو السلوك، وليس من حب الرسول صلى الله عليه وسلم أن نوالي من عادى أو نعادي من والى، وليس من حب الرسول صلى الله عليه وسلم أن نطعن في زوجاته وأصحابه وآل بيته، فمن كان صادق الحب لرسول الله فليحب ما يحب رسول الله وليبغض ما أبغض رسول الله،صلى الله عليه وسلم، فيا من تحب رسول الله، اتبع ولا تبتدع، واقتدى ولا تبتدى، واسمع له وأطع فيما أمرك ونهاك، فقد ولد نبي الرحمة والرسول الكريم وخاتم النبيين وأشرف المرسلين وأكرم الخلق محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر، وذكرت بعض الروايات أن أمه آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا.

 

كما روي أنها سمعت هاتفا يهتف بها قائلا “إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي إني أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدا” ولما وضعته أمه خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة، وكانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت قد انتشرت فيها عبادة الأصنام والأوثان، والإيمان بالخرافات والجهالات، كما انتشرت الأخلاف الوضيعة والعادات السيئة والتقاليد القبيحة مثل الزنى، وشرب الخمر، والتجرؤ على القتل وسفك الدماء، وقتل الأبناء ووأد البنات أي دفنهن حيات خوفا من الفقر أو العار، كما كان يسود التعصب القبلي الشديد الذي يدفع صاحبه إلى مناصرة أهل قبيلته بالحق أو البطل، والتفاخر بالأحساب والأنساب، والحرص على الشرف والمكانة والسمعة الذي كان كثيرا ما يفضي إلى حروب ومعارك بين القبائل تستمر سنوات طويلات.

 

وتسفك فيها الدماء رخيصة، على الرغم من تفاهة الأسباب التي اشتعلت بسببها تلك الحروب، ورغم نشأة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الأجواء الجاهلية إلا أنه منذ صغره لم يتلوث بأي من هذه الوثنيات والعادات المنحرفة، ولم ينخرط مع أهل قبيلته في غيهم وظلمهم، بل حفظه الله عز وجل من الوقوع في أن من ذلك منذ نعومة أظفاره، وينتسب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى أسرة عريقة ذات نسب عظيم عند العرب، فقد كان أجداده من أشراف العرب وأحسنهم سيرة، وقد ولد النبى صلى الله عليه وسلم يتيما فقيرا، فقد توفي والده عبد الله أثناء حمل أمه آمنة بنت وهب فيه، وكان من عادة العرب أن يدفعوا أولادهم عند ولادتهم إلى مرضعات يعشن في البادية لكي يبعدوهم عن الأمراض المنتشرة في الحواضر، ولتقوى أجسادهم، وليتقنوا لغة العرب الفصيحة في مهدهم.

 

ولذلك دفعت آمنة بنت وهب وليدها محمد صلى الله عليه وسلم إلى مرضعة من بني سعد تسمى حليمة، وقد رأت حليمة العجائب من بركة هذا الطفل المبارك محمد صلى الله عليه وسلم حيث زاد اللبن في صدرها، وزاد الكلأ في مراعي أغنامها، وزادت الأغنام سمنا ولحما ولبنا، وتبدلت حياة حليمة من جفاف وفقر ومشقة ومعاناة إلى خير وفير وبركة عجيبة، فعلمت أن محمدا صلى الله عليه وسلم كونه ليس مثل كل الأطفال، بل هو طفل مبارك، واستيقنت أنه شخص سيكون له شأن كبير، فكانت حريصة كل الحرص عليه وعلى وجوده معها، وكانت شديدة المحبة له، وعندما بلغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ست سنوات توفيت أمه، فعاش في رعاية جده عبد المطلب الذي أعطاه رعاية كبيرة، وكان يردد كثيرا أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم، ثم توفي عبد المطلب عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات، وعهد بكفالته إلى عمه أبي طالب الذي قام بحق ابن أخيه خير قيام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى