مقال

الدكروري يكتب عن النبي وخواتيم سورة البقرة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن النبي وخواتيم سورة البقرة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أوتي خواتيم سورة البقرة، وقد يقول قائل وهل معنى أن الله أعطى نبينا عليه الصلاة والسلام الفاتحة وخواتيم البقرة أنه قد أعطى غيره من الأنبياء شيء من القرآن؟ نقول قد أجاب عن هذا الإشكال ابن الجوزي رحمه الله حيث قال قد يشكل هذا الحديث فيقال كأن سورة البقرة أوتيها نبي قبله، أو آل عمران، أو غير ذلك من القرآن، فكيف خصّ الفاتحة وخواتيم البقرة؟ والجواب أن المقصود ما فيهما فإن الفاتحة قد علمنا فيها سؤال الصراط المستقيم، وقد وهب لأمتنا فيها ما لم يوهب لمتقدمي الأمم، وسلمت من أوصاف المغضوب عليهم وهم اليهود، والضالين، وهم النصارى، وآمنت بجميع كتب الله ورسوله، ولم تفرّق بين رسول ورسول كما فرقت الأمم قبلها في الإيمان بالرسل، وقالت “سمعنا وأطعنا” وقد قال من قبلها وعصينا، وعفي لها عن الخطأ والنسيان، ولم يحمل عليها إصرا وهو الثقل، كما حُمل على من قبلها.

 

ولا مالا طاقة لها به، وأيضا فقد أوتي النبى صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب، وإن للفاتحة فضائل عظيمة غير التي ذكرت من كونها أحد النورين الذين أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فمن تلك الفضائل أنها أعظم وأفضل سورة في القرآن الكريم، وما أنزل مثلها في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وأنها رقية، وأنها من أسباب محبة الله تعالى للعبد، ولقد فضل النبى صلى الله عليه وسلم النصر بالرعب مسيرة شهر، حيث اختص نبينا صلى الله عليه و سلم، بأن الله عز وجل نصره بالرعب، وهو الفزع والخوف، فكان سبحانه يلقيه في قلوب أعداء رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر أو شهرين هابوا وفزعوا منه، فلا يقدمون على لقائه، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر من ذلك، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق.

 

حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي خاصلة لأمته من بعده فيه احتمال، وقال ابن هبيرة أن الله تعالى نصره صلى الله عليه وسلم بالرعب، وهو أنه جعل جنده في قلوب أعدائه، وهو الرعب، فخذلهم وهزمهم، وبينه وبينهم مسيرة شهر مسافة، لا يصلها سهم ولا ينالها رمح، ولا يدركها عدو جواد من الخيل، وكان في قوله صلى الله عليه وسلم مخبرا لنا بهذا الحديث أن لله جنودا منها ما يرى صورته، ومنها ما يرى أثره، ومنه الرعب الذي نصر به نبيه، فأما مسيرة شهر فالذي أراه فيه أنه لما سخر الله الريح لنبى الله سليمان عليه السلام فكان غدوها شهر ورواحها شهر، أي مسيرة شهر، إلا أن الرعب الذي يكون مسيرة شهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل لأن مسيرة شهر من بلده إلى وقت الرواح مسيرة شهر عند انتهاء وصولها، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حين يذكره الأعداء يقع رعبه في القلوب في الحال، فحاله أتم.

 

فقد فضلت حاله على نبى الله سليمان عليه السلام من هذا الوجه، ومن وجه آخر، وهو أن نبى الله سليمان عليه السلام كان يصل إلى الأعداء الذين يقاتلهم وقلوبهم لهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصل إلى الأعداء وقد سبقه الرعب فصارت قلوبهم له، فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم “لم يعطهن أحد قبلي” وقد جعلت له صلى الله عليه وسلم ولأمته الأرض مسجدا وطهورا، وقد اختلف في بيان ما خصص به على الأمم قبله في ذلك فقيل إن الأمم الماضية لم تكن الصلاة تباح لهم إلا في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس، وقيل كانوا لا يصلون إلا فيما تيقنوا طهارته من الأرض وخصصت هذه الأمة بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنت نجاسته حكاهما القاضي عياض، وقال ابن هبيرة يعني أن الله سبحانه أباحه الأرض شرقها وغربها، وأنها جعلت له صلى الله عليه وسلم مسجدا، وهذا مما يدل على كل عاقل أن الله تعالى علم كثرة أمته.

 

وأنه لا يسعهم مسجد ولا جامع فجعل الأرض لهم كلها مسجدا، فأباح الله سبحانه وتعالى الصلاة في كل موضع من الأرض، ثم لما علم الله عز وجل من حرص أمته على الطهور واهتمامهم بصلواتهم، أباحهم البسيطين، الثرى والماء، لطهورهم، فأوجب عليهم الطهارة بالماء إذا وجدوه، والتراب إذا عدموه، وقال ابن حجر قوله “وجعلت لي الأرض مسجدا” أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التين قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا، لأن نبى الله عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة كذا قال، وسبقه إلى ذلك الداودي، وقيل إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض.

 

إلا فيما تيقنوا نجاسته، والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ “وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم” وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس رضى الله عنهما نحو حديث الباب، وفيه “ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه” وقد أحل له صلى الله عليه وسلم الغنائم، وقال الخطابي كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئالم يحلّ لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته، قال ابن حجر وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب، وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا، وقال ابن هُبيرة هذا يذكره صلى الله عليه وسلم مبينا به فضل أمته، فإنه يعني أن إيمان أمته زاد وصدق.

 

إلى أن لا يضره تناول الغنيمة في إخلاصهم في الجهاد، فإن من كان قبلهم إنما كانت الغنائم تأكلها النار من أجل إيمان من تقدم لم يكن في قوة إيمان هذه الأمة إذ الغنائم لا يؤثر تناولها في إخلاصهم في جهادهم وإرادتهم به وجه مولاهم وخالقهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى