مقال

الدكروري يكتب عن أهمية المسجد في الشريعة الإسلامية

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أهمية المسجد في الشريعة الإسلامية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن للمسجد أهمية كبيرة في الإسلام، ويكفي أن أول عمل قام به الرسول عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة هو بناء مسجد قباء ثم المسجد النبوي الشريف، و لعل في ذلك إشارة واضحة لأهمية وجود المسجد في المجتمع الإسلامي الناشئ، ولقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم دولته في المدينة على ثلاثة أسس هي قوام أي مجتمع إسلامي على مدى العصور والقرون، فالأساس الأول هو المسجد ليربط العبد بخالقه ورازقه، والأساس الثاني، وهو المؤاخاة ليربط المسلم بأخيه المسلم، والأساس الثالث وهو المعاهدات ليربط المسلم بغير المسلم، وبذلك قامت الدولة الإسلامية، وامتدت إلى جميع الأقطار والأمصار، وإن حضارة الإسلام التي أقامها لا تقوم إلا على المسجد، ولا تصلح إلا بالمسجد، ولا يكون لها نور إلا بالمسجد، فقد انطلقت معالم الإسلام من المسجد الذي كان أول شئ فعله بعد الهجرة، ليكون روضة من رياض الجنة.

 

وإن بناء المسجد لم يكن على سبيل المصادفة، ولم يكن مجرد إشارة عابرة، لكنه منهج أصيل، فلا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد، أو قل لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل دور المسجد لأن المساجد الآن كثيرة، لكن الكثير منها غير مفعل، ولا يقوم بدوره المنوط به، لقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم بفصاحته وبلاغته المسجدَ جامعة علمية، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج للناس هكذا، ثم أصبح في المسجد فإذا هو أعلم الناس والله تعالى يقول فى سورة العنكبوت “وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون” ولو كنت تكتب لقالوا كتبت القرآن ولو كنت تقرأ لقالوا قرأت صحف الأولين، ولو كنت تقول الشعر، لقالوا نظمت كتاب الله، وسبحانه وتعالى يقول “وما علمناه الشعر وما ينبغى له” إنك أتيت أميا للأمة الأمية فأخرجتها من صحراء الوثنية والتخلف، صحراء الإبل والبقر والغنم إلى ضفاف دجلة والفرات.

 

وإلى قرطبة وسمرقند، وطشقند والسند، يهللون ويكبرون ويسبحون بحمد الله، أليست هذه معجزة؟ بل هي أكبر معجزة في تاريخ الإنسان، فليس المعجزة فقط في أن تحول الطعام القليل إلى كثير، أو تفجر من الصخر ماء، لكن المعجزة الكبرى أن تخرج أمة هي تتقاتل على موارد الشاة، إلى أمة تتكلم بألسنة الدهر وتخطب على منابر التاريخ، هذه أعظم معجزة له عليه الصلاة والسلام، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسس مسجده على التقوى، ففيه الصلاة والقراءة والذكر وتأمير الأمراء وتعريف العرفاء، وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم، وقيل ما زال المسلمون في قوة مادام معهم القرآن والمسجد، وقال الحسن البصري أيها المؤمن لن تعدم المسجد إحدى خمس فوائد أولها مغفرة من الله تكفر ما سلف من الخطيئة.

 

وثانيها اكتساب رجل صالح تحبه في الله، فإعلموا أن الدنيا، دار بلاء وابتلاء، وامتحان واختبار، لذلك قدر الله فيها الموت والحياة، وهي مشحونة بالمتاعب، مملوءة بالمصائب، طافحة بالأحزان والأكدار، يزول نعيمها، ويذل عزيزها، ويشقى سعيدها، ويموت حيها، مزجت أفراحها بأتراح، وحلاوتها بالمرارة، وراحتها بالتعب، فلا يدوم لها حال، ولا يطمئن لها بال، فاتقوا الله عباد الله واستغفروه واعلموا أنكم إليه راجعون، واعلموا أن أقدامكم على النار لاتقوى، وأن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم، فإن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هاجر من مكة إلى المدينة، ولم يكن هناك دولة فأقام دولته في المدينة على ثلاثة أسس رئيسة، الأساس الأول وهو المسجد والأساس الثاني وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

 

والأساس الثالث وهو المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين، وهنا وقفة لماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث مع أن في الإسلام أسسا غيرها كثيرة ؟ وهو أن هذه الأسس الثلاث هي أساس بناء الدول، وربط للصلة من جوانبها الثلاثة، فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسلم، والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم، فإذا كانت علاقة المسلم بربه قوية وإيمانه عميق وذلك من خلال المسجد، وكانت علاقة المسلم بأخيه المسلم قائمة على التعاون والإيثار والمحبة والتشارك وكانت علاقة المسلم بغير المسلم قائمة على التعايش السلمي والتسامح، فلا شك أننا نبني وطنا قويا متماسك الأركان والبنيان يشد بعضه بعضا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ولهذه الأسباب كان تركيز النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاثة في بناء الدولة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى