مقال

الدكروري يكتب عن الرحمة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الرحمة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الرحمة هى كمال في الطبيعة البشرية، تجعل المرء يرق لآلام الخلق، فيسعى لإزالتها كما يسعى في مواساتهم، كما يأسى لأخطائهم فيتمنى هدايتهم ويتلمس أعذارهم، والرحمة صورة من كمال الفطرة وجمال الخلق، تحمل صاحبها على البر، وتهب عليه في الأزمات نسيما عليلا تترطب معه الحياة وتأنس له الأفئدة، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال “قدم على رسول الله صلى الله وعليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله وعليه وسلم “أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟” قلنا لا والله وهى تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله وعليه وسلم “لله أرحم بعباده من هذه بولدها” رواه مسلم، ولقد أخبرنا الله عز وجل أن رحمته تسبق غضبه، وأن له مائة رحمة أنزل واحدة بين سائر مخلوقاته في الأرض, وأخّر الباقي لعباده يوم الحساب.

 

فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله وعليه وسلم قال “إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة” رواه مسلم، فكل ما ترى من رحمة المخلوقات بعضها على بعض، على امتداد الزمن منذ خلق الله هذه المعمورة إلى أن يرث الأرض ومن عليها ما هي إلا رحمة واحدة من مائة رحمة ادخرها الله لأوليائه، وحزبه يوم القيامة، فسبحان من وسعت رحمته كل شيء، وأوسع صفاته عز وجل رحمته، وأوسع المخلوقات عرشه، فلما استوى على عرشه كتب على نفسه يوم استوائه على عرشه كتابا فهو عنده فوق العرش ” إن رحمتى غلبت غضبى” فبرحمته أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ويسر على عباده، وبعث فيهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، علمنا من الجهالة.

 

وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، ومن رحمته عز وجل أن سهّل علينا التكاليف الشرعية، فأسهل الأعمال تدخلك في رحمته، ألم يغفر الله لزانية لأنها سقت كلبا كاد يموت من العطش؟ ألم يدخل الله الجنة رجلا أزال غصن شوك من طريق الناس؟ أعطانا الكفارات ليغفر لنا، وأرشدنا إلى أسهل الأدعية والتسبيحات التي إذا تلفظنا بها ثقلت موازيننا وغُفرت ذنوبنا ولو كانت مثل زبد البحر، فأمرنا سبحانه بسؤاله ليعطينا، بل أعطانا أعظم العطايا بلا سؤال، ووهب لنا نعمه ظاهرة وباطنة لم يؤيسنا ربنا من رحمته، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم يقول “قال الله يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا.

 

ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة” فمن أعظم من الله جودا وكرما؟ يبسط يده سبحانه بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها، فمن أرحم من الله عز وجل؟ ألم ترواإلى من قتل مائة نفس كيف قبله الله وتاب عليه لأنه أقبل إلى الله، يريد أن يتوب، فأسرع الله إليه بالتوبة والقبول، فرحمته وسعت كل شيء، وهو يحب التوابين, هذا في الدنيا أما في الآخرة فحدث عن رحمته ولا حرج، فلقد أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله وعليه وسلم أن يخبر العالم أجمع بأن الله غفور رحيم, فقال تعالى ” نبئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم” بل نادى ربنا عز وجل كل المجرمين الذين تمادوا في الذنوب والمعاصي وأسرفوا على أنفسهم ناداهم نداء خاصا بأن لا يقنطوا من رحمته، فخاطبهم الله تعالى قائلا ” يا عبادي” تأليفا لقلوبهم وتأنيسا لأرواحهم، فقال تعالى كما جاء فى سورة الزمر.

 

” قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم” وإن كثيرا من الناس ما فهموا معنى رحمة الله، فلذلك تمادوا في المعاصي بحجة أن الله سيغفر الذنوب، وما علموا بأن الله عز وجل قد اشترط لنيل رحمته قائلا كما جاء فى سورة الأعراف ” ورحمتى وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبى الأمى ” ورحمة الله تستجلب بطاعته وطاعة رسوله صلى الله وعليه وسلم، والاستقامة على أمر الإسلام، فقال تعالى كما جاء فى سورة الشورى ” وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون” ومن جالبات رحمة الله تعالى هو إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألا وإن مما تستمطر به الرحمات في الدنيا والآخرة، هو رحمة الضعفاء وذوي الحاجة، إغاثة الملهوف، وكفالة اليتيم، والقيام على الأرملة.

 

وسدّ حاجة المسكين، والعطف على الفقراء، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء” وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم “لا يرحم الله من لا يرحم الناس”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى