مقال

الدكروري يكتب عن خلق الوفاء بالعهد في واقعنا المعاصر ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن خلق الوفاء بالعهد في واقعنا المعاصر ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

والثاني وهو ما هو عكس الأول أي ما كانت لذته عاجلة قبل الموت من التلذذ بالمعاصي، والمنكرات، والخوض في مال الله بغير حق، وأكل أموال الناس، فهذا مذموم جدا، والثالث وهو ما كان بينهما مما يعين على طاعة الله تعالى كالأكل، والشرب، واللباس بالاقتصاد، ومن طريقة الحلال فهذا يلحق بالقسم الأول لأنه من وسائله، واعلم أن وصال الدنيا مقرون بالشتات، والحياة الشائقة سائقة إلى الممات، والأغراض فيها أغراض للسهام النائبات، ويكفيكم عظة سلب الآباء والأمهات، فاذكر هاذم اللذات صباحا ومساء، وتفكر في بلى وجوه قد كن صباحا، فقد أفصحت عبر الدهر بالعبر إفصاحا، فكيف يغتر من تعد أنفاسه؟ وكيف يقر من قد قرب اختلاسه؟ فنيت والله الأيام، ولكن بخطايا وآثام، وكأن قد نزل بكم الحمام، وأول ما يلقاكم عند حلول القبر الندامة، وآخر ما ترون عند القيام القيامة، فرحم الله عبدا علم أن الدنيا دار غرور.

 

ففارق ما فارق فيها من الشرور، واختار حزن الحُزن على سهل السرور، ولاحظ قرب الآخرة، فصاحب الصور قد التقم الصور، فإن عنوان سعادة المرء ودلائل توفيقه إنما يكون في إنابته لربه واستقامته على شرع الله ودينه وإقباله على الله تعالى بنية خالصة وعبودية صادقة في كل حالاته، وأن لا تشغله الحياة الدنيا والسعي في تحصيل ما يؤمل منها عن الاستعداد للحياة الباقية والتزود للدار الآخرة، فذلك سبيل الصالحين، ونهج المتقين ممن وصفهم الله عز وجل في محكم التنزيل بقوله فى سورة النور”رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار” فإن هؤلاء الصالحين على الرغم من اشتغالهم بالبيع والشراء، وما يحتاجون من عرض الدنيا، إلا أن ذلك لم يكن حائلا بينهم وبين استحضار عظمة الله جل جلاله، استحضارا يحمل على تقوى الله عز وجل وخشيته على الدوام.

 

والقيام بعبوديته حق القيام، وهكذا شأن المؤمن حقا، يغتنم أيام العمر وأوقات الحياة بجلائل الأعمال الصالحة، ويبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة لعلمه أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة للفوز بالحياة الباقية والظفر بالسعادة الدائمة، لا أنها غاية تبتغى، ولا نهاية ترتجى، بل إنما هي عرض زائل، يأكل منها البر والفاجر، وأنه مهما طال فيها العمر، وفسح فيها للمرء الأجل، فسرعان ما تبلى، وعما قريب تفنى، وليس لها عند الله شأن ولا اعتبار، وإنما هي قنطرة إلى الجنة أو النار، وإن خلق الوفاء بالعهد في حياتنا المعاصرة بين الواقع الذي نعيش فيه والمأمول الذي نرجوه وإنك لو نظرت إلى واقع الأمة اليوم، ستجد كم من الناس من يتكلم، وكم من الناس من يَعد، وكم من عهود مسموعة ومرئية ومنقولة ولكن أين صدق الوعود؟ وأين الوفاء بالعهود؟ فقد كثرت في زماننا هذا الوعود، وأكثر منها عدم الوفاء بها، فإذا أراد أحدنا التهرب من أخيه.

 

وعده بشيء وهو يعلم أنه لن ينفذ ما وعد به، فقيل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد استأجر فرسا من يهودي ليذهب به إلى بلاد الشام فخرج عمر بن الخطاب ومعه غلامه وصرة فيها طعامه وشرابه وزاده، وأثناء عودته وقعت منهما الصرة فأخبرهما رجل بأن الصرة وقعت في مكان كذا فنزل عمر وقال لغلامه أمسك بلجام الفرس وقف هنا حتى أرجع ماشيا لأحضر الصرة، فلما رجع عمر ماشيا عجب الناس وقالوا لم لم ترجع بالفرس؟ فقال عمر لأنني لم أتفق مع صاحب الفرس في العقد أنه إذا وقعت مني صرة أرجع لها بالفرس، فانظر إلى فعل أمير المؤمنين، وقارن بين ذلك وبين ما يحدث في الواقع المعاصر، كم من المسلمين في دنيا اليوم من يحدث وهو كاذب وكم من المسلمين من يعد وهو خائن وكم أعطى من الوعود والعهود وبعدها غدر بأصحابها فأين الوفاء بالعهد؟ وقال الحريري أنه تعامل القرن الأول.

 

فيما بينهم بالدين زمانا طويلا حتى رقّ الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة، ولقلة وجود خلق الوفاء بالعهد في الناس قال الله تعالى فى سورة الأعراف ” وما وجدنا لأكثرهم من عهد” وقد ضُرب به المثل في العزة والندرة فقالت العرب “هو أعزّ من الوفاء” ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم المثل الأعلى في الالتزام بالأخلاق العالية، والوفاء في بيعهم وشرائهم، بل فتحوا بلادا بأكملها بحُسن خلقهم، وإلى كل من غدر بصاحبه أو قريبه أو جاره أو غيرهم أنه سيفضح على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال هذه غدرة فلان بن فلان” متفق عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى