مقال

الدكروري يكتب عن عناصر تأسيس المجتمعات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عناصر تأسيس المجتمعات

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن هناك بعض العناصر الأساسية التي تشكل المجتمعات، ومنها ما العادات والقيم، والدور المترتب على الأفراد، ومنظومة القوانين، والأهداف المجتمعية، والرغبات والطموحات، والتوقعات، ويعتبر التواصل بين الأفراد في النسيج الاجتماعي من أهم العوامل المؤثرة على الصحة النفسية، فمن دون مجتمع وعلاقات اجتماعية ينهار الإنسان جسديا ومعنويا، حيث يبدأ الإنسان منذ صغره عادة بتكوين علاقات اجتماعية أولها مع أمه، ثم أسرته والمجتمع، ويرتبط بقاء الإنسان على قيد الحياة بقدرته على التعايش الاجتماعي، ويختلف تعريف المجتمع باختلاف العلم الذي يعرف فيه، ويمكن تعريف المجتمع في علم الاجتماع بأنه تجمع بشري في نظام شبه مغلق، ومجموعة من الناس تعيش وفق أسس وقوانين متفق عليه، ويمكن تعريف المجتمع في علم الاجتماع.

 

بأنه تجمع كتل سكانية في موقع معين، يتفق أفرادها على عادات وثقافات معينة، وليس المجتمع بمفهومه السطحي فحسب، وإنما الأسرة مجتمع، إذ إن الطفل حين يتأهل ويخرج من مجتمعه المصغر وهي أسرته، يسعى ليكون فردا فاعلا في المجتمع، وبذلك تتشكل نواة المجتمعات، وإن المدرسة مجتمع، وإن القبيلة مجتمع، إذ تنطبق علها خصائص المجتمعات، إذ يتجمع أفرادها في موطن واحد، ويتبعون نفس التقاليد، ويتسم أغلبهم تحت نفس السمات، وتسودهم ثقافة واحدة، وإن ما يهيئ المجتمع الواحد ليكون على صورة رجل واحد، هو تكيف جميع أفراده مع الظروف نفسها، وخاصة الجغرافية، وإن أهم ما يميز المجتمع هو تعاون أفراده وتمسكهم ببعضهم، ويلبي كل فرد منهم حاجاته ومتطلباته، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم، على التعاون والتراحم.

 

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن صلى الله عليه وسلم قَال ” من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا فليس منا ” وعن جرير بن عبد الله رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال ” من لا يرحم لا يرحم ” فهذا هو طفل صغير كان يعيش في كنف أبيه الذي كان يغدق عليه من حبه وحنانه، فاستثار ذلك الحب والحنان إخوته من أبيه عليه، فحقدوا عليه بلا ذنب ارتكبه، ولا تقصير في جانبهم فعله، فأخذوا يتفكرون فيها كيف يتخلصون منه، ثم استقر رأيهم على أن يلقوه في بئر، يلتقطه بعض قاطعي الطريق، واحتالوا على الأب، وأخذوا الطفل البريء، وجردوه من ثوبه، وألقوا به بلا رحمة أو شفقة، أو مراعاة لدم النسب الذي بينهم في غياهب ذلك البئر، أرادوا إبعاده عن أبيه وأراد الله شأنا آخر، فمكث في ذلك البئر ينتظر الفرج ممن بيده مفاتيح الفرج.

 

وبينما هو في مجلسه ذاك إذا بحبل ودلو يتدلى فتمسك به وصعد، وإذا به بين يدي رجال قساة القلوب فرحوا به لا لأنه إنسان أنقذوه، ولكن لأنه يمكن بيعه في سوق العبيد، وأخذوه وباعوه، وبدأ في رحلة مرهقة متعبة، فمن كيد النساء إلى السجن، حتى مكن الله له بعد ذلك في الأرض، وإذا بأخوته الذين كادوا له أتوه فقراء محتاجين، فلما عرفوه قاموا يعتذرون، فهل انتقم منهم؟ هل عاقبهم على رحلة العناء والتعب التي كبدوه إياها على حرمانه من حنان الأب الذي حرموه إياه؟ فإن هذه الصورة نهديها ناصعة تضيء بنور هذا الخلق العظيم، خلق العفو والصفح والمسامحة، إلى إخوة من أمة الإسلام، حملهم رحم واحد، ورضعوا من ثدي واحد، وأكلوا من إناء واحد، وضمهم بيت واحد، ثم إذا بينهم قضايا ومحاكم وشرط، وهجر يصل بالأعوام والسنين، يلتقيان على سفرة واحدة.

 

في مناسبات مفرحة، أو محزنة، ويأكلان من إناء واحد، ولا يكلم بعضهم بعضا، نسائلهم أين أنتم من كتاب ربكم؟ الذي بين أيديكم يقص عليكم قصة يوسف وإخوته؟ فهذا نبينا وقدوتنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قد مكرت به قريش في جاهليتها، فآذوه، وعذبوا أصحابه، وأخرجوه من بلده، وخططوا لقتله وحاربوه في دينه ومعتقده، وقاتلوه وقتلوا أصحابه، وكانوا حريصين على قتله، ومع كل ذلك يوم أن مكنه الله تعالى من رقابهم يوم فتح مكة، فقد خاطبهم صلى الله عليه وسلم، وهو واقف على باب الكعبة، وهم وقوف تحت قدميه، فقال لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ فجاءه الرد من قلوب خائفة ذليلة وجلة “أخ كريم وابن أخي كريم” فماذا فعل فيهم صلى الله عليه وسلم؟ فقد خاطبهم بذلك الخطاب الذي يمسك بأذن التاريخ والبشرية، ليصب فيها أروع صور العفو والمسامحة.

 

فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” مع كل ما فعلتموه “أذهبوا فأنتم الطلقاء” مع كل ما ارتكبتموه “أذهبوا فأنتم الطلقاء” فهكذا يجب أن يكون المجتمع الإسلامى فهو مجتمع عفيف طاهر، لم يتمرغ في أوحال الدنس والقذارة الأخلاقية، بعيد كل البعد عن الأسباب التي تدنسه كالنظر للنساء الأجنبيات، وسماع الغناء الماجن المحرم، والاختلاط بين الرجال والنساء وكل ذلك حفاظا عن الأعراض والأنساب، فقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة الأنعام ” ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن” وقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم فى سورة الإسراء ” ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ” وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال ” ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى