مقال

الدكروري يكتب عن وجعلنا بعضكم لبعض فتنة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن وجعلنا بعضكم لبعض فتنة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الله عز وجل يبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه، فإذا خلوت بريبة في ظلمة، والنفس داعية إلى الطغيان، فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني، ولكن الصبح قريب وسيأتى الفرج من الله، ولا يأتي الفرج إلا منه سبحانه وحده، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فينقلب العبد بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء أبدا لأن الله معه، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه” وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله إذا أراد بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا , وإذا أراد بعبد شرا أمسك عنه حتى يوافي يوم القيامة بذنبه” فقال الله تعالى في كلمات قليلة، موضحا حكمة عظيمة في خلقه فيقول عز وجل فى سورة الفرقان ” وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون ”

 

وعند هذه الكلمات القليلة من كتاب ربنا نتوقف، ونريد أن نفهم معاني هذه الكلمات، والمسلم مطالب بفهم كتاب الله، وهذه الفتنة والابتلاء من حكمة الله تعالى في خلقه فكما أنه يبلوهم بالمصائب، ويبلوهم بالنعمة يبلوهم بالحسنات، والسيئات، ويبلوهم بشرعه، وقدره، فكذلك يبلوا بعضهم ببعض، وهذا فى قوله تعالى “وجعلنا بعضكم لبعض فتنة” وهذا عام في جميع الخلق، فقد امتحن بعضهم ببعض، فامتحن الرسل بالمرسل إليهم، ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم، وتحمل المشاق في سبيل إبلاغ الرسالة، وامتحن المرسل إليهم بالرسل، هل يطيعونهم؟ وهل ينصرونهم ويصدقونهم؟ أما يكفرون بهم، ويردون عليهم، ويقاتلونهم؟ وامتحن العلماء بالجهال، هل يعلمونهم، وينصحونهم، ويصبرون على تعليمهم، ونصحهم، وإرشادهم؟

 

وامتحن الجهال بالعلماء هل يطيعونهم، ويهتدون بهم؟ أم أنهم يعرضون عن أقوالهم، ويرجمونهم؟ وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك، وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والسادة بالاتباع، والاتباع بالسادة، وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين، وامتحن الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بالذين يأمرونهم، وكذلك كان فقراء المؤمنين، وضعفائهم من أتباع الرسل فتنة لأغنياء القوم، والملأ والرؤساء الكفرة فامتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرسالة، فقال تعالى فى سورة الأحقاف ” لو كان خيرا ما سبقونا إليه ” فلو كان دين الرسل حقا ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء والأراذل من القوم.

 

فإذا رأى الشريف المسكين الذليل فاستبقه إلى الآيات، ومتابعة الرسول حمي وأنف أن يسلم فيكون مثله، ومثل من أسلم سواء لا يمكن أن يرضى بهذا، ولذلك ترضى أغلب الأغنياء والرؤساء الطغاة لا يتابعون الحق، وإنما يريدون الإصرار على باطلهم ويأنفون أن يدخلوا مع الناس في الدين لأنهم يريدون خصوصيات ومميزات عن سائر الخلق، وهذه الخصوصيات والمميزات بالمال والسلطة ولذلك استسهن كفار قريش بإسلام الفقراء أمثال بلال وخباب وصهيب وأبي ذر وابن مسعود وعمار ويقول كفار قريش انظر إلى هؤلاء الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا، فقال الله تعالى ” وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون” فالفتنة إذن محك الإيمان وامتحان القلوب بها يتبين الصادق من الكاذب وفتن الله أصحاب الشهوات بأصحاب الصور الجميلة.

 

وفتن الله أصحاب الشهوات بأصحاب الأشكال الحسنة والصور الجميلة وامتحن النوع الآخر بأصحاب الشهوات فكان كل من النوعين فتنة للآخر فمن صبر منهم نجا ومن أصابته الفتنة هلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال، فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الآمرة بالسوء وشيطانه المغوي، وقرنائه المزينين من الإنس فإذا أضيف إلى ذلك ضعف الإيمان، وضعف القلب، ومرارة الصبر على الشهوات، وحلاوة المعصية العاجلة في الدنيا وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى