مقال

الدكروري يكتب عن الرفيق في الهجرة الشريفة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الرفيق في الهجرة الشريفة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد تأخر أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليصحب النبي صلى الله عليه وسلم، جيث قالت السيدة عائشة رضي الله عنها فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار، إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب متقنعا، فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي بكر “أخرج من عندك” فقال إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “قد أذن لي في الخروج” فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله؟ قال نعم، فقال يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “بالثمن” رواه البخاري، ثم خرجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فأقاما في غار جبل ثور ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وكان غلاما شابا ذكيا واعيا.

 

فينطلق في آخر الليل إلى مكة، فيصبح مع قريش، فلا يسمع بخبر حول النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلا وعاه، حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام، فجعلت قريش تطلب النبي صلى الله عليه وسلم من كل وجه، وتسعى بكل وسيلة، ليدركوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما ديته مئة من الإبل، ولكن الله كان معهما يحفظهما بعنايته، ويرعاهما برعايته، حتى إن قريشا ليقفون على باب الغار فلا يرونهما قال أبو بكر رضي الله عنه قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا؟ فقال “لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما” رواه البخاري ومسلم، حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلا، خرجا من الغار بعد ثلاث ليال، متجهين إلى المدينة على طريق الساحل، فلحقهما سراقة بن مالك المدلجي على فرس له.

 

فالتفت أبو بكر، فقال يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم “لا تحزن إن الله معنا” رواه البخاري ومسلم، فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم غاصت قدما فرسه في الأرض، حتى مس بطنها الأرض، وكانت أرضا صلبة، فنزل سراقة وزجرها فنهضت، فلما أخرجت قدميها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان، قال فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناديتهم بالأمان، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا فخذ منها حاجتك، فقال لا حاجة لي في ذلك، وقال أخف عنا فرجع سراقة.

 

وجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده، وقال كفيتم هذه الجهة فسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، ليظفر بهما، فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار، فلم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا مدافعا، يعرض عليهما الزاد والمتاع، وما يريدان من إبله وغنمه، ويرد عن جهتهما كل من أقبل نحوها، وهكذا، كل من كان الله معه فلن يضره أحد، وتكون العاقبة له، ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق، وعلى البيوت والغلمان والخدم، يقولون الله أكبر، جاء رسول الله الله أكبر، جاء محمد وقال أنس بن مالك رضي الله عنه “إني لأسعى بين الغلمان وأنا يومئذ غلام، والناس يقولون جاء محمد، جاء محمد”هكذا يردد الناس هذه الكلمات فرحا بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أحب الناس إليهم.

 

فيا له من مقدم ملأ القلوب فرحا وسرورا، وملأ الآفاق بهجة ونورا فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكل قبيلة من الأنصار تنازع الأخرى زمام ناقته النزول “عندنا يا رسول الله، في العدد والعدة والمنعة” ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “دعوها فإنها مأمورة، وإنما أنزل حيث أنزلني الله عز وجل ” فلما انتهت به إلى مكان مسجده بركت، فلم ينزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وثبت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أطلق لها الزمام، فسارت غير بعيد، ثم التفتت خلفها فعادت إلى مكانها الأول فبركت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “هذا إن شاء الله المنزل” وكان هذا المكان لغلامين يتيمين، فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فساومهما ليشتريه منهما، فيتخذه مسجدا، فقالا بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، وقال “أي بيوتنا أقرب؟”

 

قال أبو أيوب أنا يا رسول الله هذه داري وهذا بابي، قال “فانطلق فهيئ لنا مقيلا” ففعل، ثم جاء فقال “قوما على بركة الله” ثم جاء عبد الله بن سلام، وكان حبرا من أحبار اليهود، فقال أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت، فإنهم إن علموا به قالوا في ما ليس في، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فأتوا إليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق” قالوا ما نعلم ذلك، قال “فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟” فقالوا سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا، قال “أرأيتم إن أسلم؟” قالوا حاش لله ما كان ليسلم، فأعاد فأعادوا وكان عبد الله بن سلام قد اختبأ لينظر ما يقولون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “يا ابن سلام اخرج عليهم” فخرج، فقال يا معشر اليهود، اتقوا الله.

 

فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا له كذبت، فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم “ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، أهل غدر، وكذب وفجور” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى