مقال

الدكروري يكتب عن في طريق الدعوة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن في طريق الدعوة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج، فالتقى رجالا من قبيلة الخزرج من موالي اليهود، ودعاهم إلى الإسلام في مكان اسمه العقبة، وتكلم عن الإسلام، وتلا عليهم آيات من القرآن، فقَبِلوا ما عُرض عليهم، وخرجوا متوجهين إلى قومهم ليدعوهم إلى ما آمنوا به، وكان هذا في بيعة العقبة الأولى، وفي العام الذي يليه، اجتمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة الذين قدموا إلى الحج ثلاثا وسبعين رجلا أغلبهم من الخزرج، وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على الإيمان والاتباع، وسميت هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية، وبعد عودتهم إلى المدينة أصبح أمر الهجرة ممهدا ومُلحا أكثر من ذي قبل، خاصة أن أذى المشركين ازداد على المسلمين في مكة، فأمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فتتابعوا بالهجرة خفية.

 

وخرجوا فرارا بدين الله تعالى، ثم أذن الله سبحانه لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بالهجرة، فهاجر يرافقه أبو بكر رضي الله عنه، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فيها، وعاشوا أوضاعا تختلف عما عاشوه في مكة، ومع اختلاف فئات الناس، وطبقاتهم، واتجاهاتهم، إلا أنهم خضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وساروا نحو أمره، وقد امتدح المولى سبحانه المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بلقاء الأنصار الذين آمنوا به وبدعوته قبل أن يروه، وبعد أن استقر المقام بالمهاجرين مع إخوانهم الأنصار بالمدينة كان لا بد من تنظيم العلاقة بين كل الفئات في المدينة المنورة، واجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق ذلك من خلال المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد أتم الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

المُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ليكونوا مترابطين متكافلين، ولم تقتصر المؤاخاة فيما بين المهاجرين والأنصار، فقد تمت أيضا بين المهاجرين أنفسهم إذ آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي بن أبي طالب وكلاهما مهاجر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان يؤاخي بين المسلمين كلما دخل في الإسلام أحد، أو قدم مهاجر جديد إلى المدينة، وكانت خطة النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة من مكة إلى المدينة شاملة للعناصر الآتية، أولا أنه سيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته في أول الليل وذلك لتجنب الحصار الذي سيفرضه المشركون حتما على البيت، وثانيا أنه ستتم الهجرة إلى المدينة عن طريق ساحل البحر الأحمر، وهو طريق وعر غير مألوف لا يعرفه كثير من الناس، وليس هو الطريق المعتاد للذهاب إلى المدينة.

 

وذلك حتى يضمنوا الاختفاء عن أعين المشركين، وثالثا أنه سيتم استئجار دليل يصحبهم في هذه الرحلة لأن الطريق غير معروف، والضياع في الصحراء أمر خطير، ولا بد أن يكون هذا الدليل ماهرا في حرفته، أمينا على السر، وفي الوقت ذاته لا يشك المشركون في أمره، وقد اتفق الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله عنه على أن يكون هذا الرجل هو عبد الله بن أريقط، وهو من المشركين، وهذا في منتهى الذكاء، فالمشركون لن يشكوا مطلقا في أمره إذا رأوه سائرا خارج مكة، وهو في الوقت ذاته رجل أمين يكتم السر، وهو رجل في النهاية صاحب مصلحة، فقد استؤجر بالمال، ولا شك أن أجرته كانت مجزية، ورابعا سيتجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول الهجرة إلى الجنوب في اتجاه اليمن، لمسافة خمسة أميال كاملة.

 

أي حوالي ثمانية كيلو مترات، وهي مسافة كبيرة، مع أن المدينة في شمال مكة وليست في جنوبها ولكن ذلك إمعانا في التمويه لأن المشركين إذا افتقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك أنهم سيطلبونه في اتجاه المدينة وليس في اتجاه اليمن، وخامسا أنه سيتم الذهاب إلى غار ثور في جنوب مكة، وهو غار غير مأهول في جبل شامخ وعر الطريق، صعب المرتقى، وسيبقى الصاحبان في هذا الغار مدة ثلاثة أيام كاملة، ولن يتحركا في اتجاه المدينة إلا بعد انقضاء هذه الأيام الثلاثة وذلك حين يفقد أهل قريش الأمل في العثور عليهما، فيكون ذلك أدعى لأمانهما، وسوف يتركان الراحلتين مع الدليل عبد الله بن أريقط، على أن يقابلهما عند الغار بعد الأيام الثلاثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى