مقال

الدكروري يكتب عن الصحابي آياس بن معاذ الأنصاري 

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الصحابي آياس بن معاذ الأنصاري

 

بقلم محمد الدكروري

 

صحابى من الصحابة الكرام، هو إياس بن معاذ الأنصاري الأشهلي، وكان غلاما حدثا من سكان يثرب، وقيل أنه أسلم وأتى مع وفد إلى مكة ليلتمسوا العون من قريش على الخزرج، والخزرج هم من الأنصار وهم من أهل يثرب الذين ناصروا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، في الإسلام، وهم ينتمون إلى قبائل الأوس والخزرج، وقد هاجروا إلى يثرب التى هى المدينة المنورة الآن، بعد سيل العرم الذي أودى بسد مأرب فدخلوها بعد أن حاربوا بها اليهود حتى استقر لهم الأمر بها، وقد ذكر البخارى إياس بن معاذ فى تاريخه الأوسط فيمن مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين والأنصار، وترجم له في التاريخ الكبير، وقال عنه مصعب الزبيرى، أنه قدم إلى مكة وهو غلام قبل الهجرة فرجع ومات قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم، وذكر قومه أنه مات مسلما وأما عن قصة إسلامه فقد قال ابن إِسحاق في المغازي، حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن محمود بن لبيد، قال، لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع، مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، فقد سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجلس إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم لهم ” هل لكم من خير مما جئتم إليه؟ قالوا وما ذاك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أنا رسول الله، بعثنى إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ” ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن الكريم، فقال إياس بن معاذ يا قوم، هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر حفنة من البطحاء، فضرب وجهه بها، وقال دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فسكت، وقام وانصرفوا، وقد قال محمود بن لبيد، فأخبرني مَن حضره من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبِره ويحمده ويسبحه، فكانوا لايشكون أنه مات مسلما، فقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع، وقيل بأن الذي حدث مع سويد بن الصامت قد تكرر مع الغلام الصغير إياس بن معاذ، وإن من المؤكد أن هناك عوامل كثيرة كانت سببا في رقة قلب إياس بن معاذ، وغلظة قلب الآخر أبي الحيسر أنس بن رافع، ولكن يبرز هنا عاملان مهمان لهما أكبر الأثر في تحديد مسار كل واحد منهما، أما العامل الأول فهو عامل السن، فالشباب هو أقرب إلى الدعوة من الكبار، وإن كانت الدعوة موجهة إلى الإثنين معا، لكن اقتضت طبيعة الأمور أن قلوب الشباب أكثر رقة، وأقرب إلى قبول الدعوات الجديدة الصالحة، بعكس القلوب التي ران عليها ما كانت تكسب من الذنوب والخطايا والأفكار، فهذا عامل مهم، وأما العامل الثاني، فهو عامل المنصب والقيادة، فالزعماء بطبيعة الحال، رافضون للدعوات الإصلاحية والدينية بشكل عام، إلا مَن رحم الله، وذلك خوفا على مناصبهم وأوضاعهم القيادية، فهم لا يحبون التحول إلى التبعية لغيرهم حتى لو كان نبيا، وهكذا كان الوضع هنا مع إياس بن معاذ وأصحابه، فكان أبو الحيسر أنس بن رافع هو زعيم الوفد الذي لا يكفيه أن يرفض الإسلام، بل يجتهد في منع أتباعه من الخروج عن طاعته إلى غيره، ولذلك لم يتردد في ضرب إياس بن معاذ عندما طرح فكرة قبول الإسلام، لا ليمنعه هو فقط من اعتناق الإسلام، ولكن ليُرهب بقية الوفد ويقطع عليهم طريق التفكير في الدين الجديد أما إياس بن معاذ فغلام بسيط يبحث عن الحقيقة المجردّة، وليس له منصب يخاف عليه، بل هو في الحالتين تابع، إما تابع لأنس بن رافع، وإما تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثَم فقرار إسلامه أيسر بكثير من قرار الزعماء، ولقد ضاعت على أنس بن رافع فرصة الإسلام، ولعله مات مبكرا بعد هذا اللقاء، وهكذا أضاع أنس بن رافع فرصة ثمينة للعتق من النار على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحياة فرص، وما ذهب قد لا يعود مطلقا، وللعجب فإنه على الرغم من أن أنس بن رافع كان يمنع الناس من الإسلام فإن الإسلام قد اخترق بيته رغما عن أنفه بعد موته، فقد أسلم ابنه الحارث بن أنس رضي الله عنه، وشارك في بدر، ثم استشهد في غزوة أحد، وقد أسلمت ابنته أم إياس بنت أنس رضي الله عنها، وتزوجت الصحابى الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهنا ينطبق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة يوسف{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}

وكان سويد بن الصامت رضي الله عنه من الخزرج، وهذا إياس بن معاذ رضي الله عنه من الأوس، وكأن الله عز وجل قد أراد أن تصل دعوة الإسلام إلى القبيلتين معا، ومع أن الرجلين لم يقوما بدعوة كبيرة للإسلام نظرا إلى موتهما المبكر، فإن إسلامهما كان وكأنه تمهيد للمدينة لتتلقى بعد ذلك دعوة الإسلام بشكل أكبر بعد عام من موت هذين الصحابيين الكريمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى